منطق صائب وتلحن أحيا نا وخير الحديث ما كان لحنا
وإياه قصد بقوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول وفي البحر يقال: لحنت له بفتح الحاء ألحن لحنا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره، ولحنه هو بالكسر فهمه وألحنته أنا إياه ولاحنت الناس فاطنتهم، وقيل: لحن القول الذهاب عن الصواب، وعن ابن عباس لحن القول هنا قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا من العقاب وكان هذا الذي ينبغي منهم، وقال بعض من فسره بالأسلوب المائل عن الطريق المعروفة: إنهم كانوا يصطلحون فيما بينهم على ألفاظ يخاطبون بها الرسول صلى الله عليه وسلم مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح وكانوا أيضا يتكلمون بما يشعر بالاتباع وهم بخلاف ذلك كقولهم إذا دعاهم المؤمنون إلى نصرهم: إنا معكم، وبالجملة أنهم كانوا يتكلمون بكلام ذي دسائس وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يعرفهم بذلك، وعن رضي الله تعالى عنه ما خفي بعد هذه الآية على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيء من المنافقين كان عليه الصلاة والسلام يعرفهم بسيماهم ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين يشكوهم الناس فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب هذا منافق. وفي دعواه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يعرفهم بسيماهم أشكال فإن ( لو ) ظاهرها عدم الوقوع بل المناسب معرفتهم من لحن القول، وكأنه حمله على أنه وعد بالوقوع دال على الامتناع فيما سلف، ولقد صدق وعده واستشهد عليه بما اتفق في بعض الغزوات، ولا تنحصر السيما بالكتابة [ ص: 78 ] بل تكون بغيرها أيضا مما يعرفهم به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما يعرف القائف حال الشخص بعلامات تدل عليه، وكثيرا ما يعرف الإنسان محبه ومبغضه من النظر ويكاد النظر ينطق بما في القلب، وقد شاهدنا غير واحد يعرف السني والشيعي بسمات في الوجه، وإن صح أن بعض الأولياء قدست أسرارهم كان يعرف البر والفاجر والمؤمن والكافر ويقول: أشم من فلان رائحة الطاعة ومن فلان رائحة المعصية ومن فلان رائحة الإيمان ومن فلان رائحة الكفر ويظهر الأمر حسبما أشار فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بتلك المعرفة أولى وأولى ولعلها بعلامات وراء طور عقولنا، والنور المذكور في خبر أنس متفاوت الظهور بحسب القابليات وللنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أتمه، وذكروا من علامات النفاق بغض (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى) كرم الله تعالى وجهه. فقد أخرج علي عن ابن مردويه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا ببغضهم ابن مسعود علي ابن أبي طالب . وأخرج هو عن وابن عساكر ما يؤيده، وعندي أن بغضه رضي الله تعالى عنه من أقوى علامات النفاق فإن آمنت بذلك فيا ليت شعري ماذا تقول في أبي سعيد الخدري يزيد الطريد أكان يحب كرم الله تعالى وجهه أم كان يبغضه، ولا أظنك في مرية من أنه عليه اللعنة كان يبغضه رضي الله تعالى عنه أشد البغض وكذا يبغض ولديه عليا الحسن على جدهما وأبويهما وعليهما الصلاة والسلام كما تدل على ذلك الآثار المتواترة معنى، وحينئذ لا مجال لك من القول بأن اللعين كان منافقا، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة علامات النفاق غير ما ذكر كقوله عليه الصلاة والسلام: والحسين الحديث (علامات المنافق ثلاث)
لكن قال العلماء: هي علامات للنفاق العملي لا الإيماني، وقيل: الحديث خارج مخرج التنفير عن اتصاف المؤمن المخلص بشيء منها لما أنها كانت إذ ذاك من علامات المنافقين.
واستدل بقوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول من جعل التعريض بالقذف موجبا الحد، ولا يخفى حاله والله يعلم أعمالكم فيجازيكم عليها بحسب قصدكم وهذا على ما قيل وعد للمؤمنين وإيذان بأن حالهم بخلاف حال المنافقين وقيل: وعيد للمنافقين وإيذان لهم بأن المجزى عليه ما يقصدونه لا ما يعرضون أو يورون به، واستظهر أنه خطاب عام فهو وعد ووعيد، وحمل على العموم