وعدكم الله مغانم كثيرة هي على ما قال ابن عباس وجمهور المفسرين ما وعد الله تعالى المؤمنين من المغانم إلى يوم القيامة ومجاهد تأخذونها في أوقاتها المقدرة لكل واحدة منها فعجل لكم هذه أي مغانم خيبر وكف أيدي الناس عنكم أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فنكصوا ، وقال : كف أيدي أهل مجاهد مكة بالصلح ، وقال : كف اليهود عن الطبري المدينة بعد خروج الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الحديبية وإلى خيبر ، وقال وابنه : المغانم الكثيرة الموعودة مغانم خيبر والمعجلة البيعة والتخلص من أمر زيد بن أسلم قريش بالصلح ، والجمهور على ما قدمناه ، والمناسبة لما مر من ذكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تقتضي على ما نقل عن بعض الأفاضل أن هذا جار على نهج التغليب وإن احتمل تلوين الخطاب فيه ، وذكر الجلبي في قوله تعالى : فعجل لكم هذه إلخ أنه إن كان نزولها بعد فتح خيبر كما هو الظاهر لا تكون السورة بتمامها نازلة في مرجعه صلى الله تعالى عليه وسلم من الحديبية وإن كان قبله على أنها من الإخبار عن الغيب فالإشارة بهذه لتنزيل المغانم منزلة الحاضرة المشاهدة والتعبير بالمضي للتحقق انتهى ، واختير الشق الأول ، وقولهم : نزلت في مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية باعتبار الأكثر أو على ظاهره لكن يجعل المرجع اسم زمان ممتد . وتعقب بأن ظاهر الأخبار يقتضي عدم الامتداد وأنها نزلت من أولها إلى آخرها بين مكة والمدينة فلعل الأولى اختيار الشق الثاني ، والإشارة بهذه إلى المغانم التي أثابهم إياها المذكورة في قوله تعالى : وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وهي مغانم خيبر ، وإذا جعلت الإشارة إلى البيعة كما سمعت عن زيد وابنه وروي ذلك عن لم يحتج إلى تأويل نزولها في مرجعه عليه الصلاة والسلام من ابن عباس الحديبية ولتكون آية للمؤمنين الضمير المستتر ، قيل : للكف المفهوم من كف والتأنيث باعتبار الخبر ، وقيل : للكفة فأمر التأنيث ظاهر .
وجوز أن يكون لمغانم خيبر المشار إليها بهذه والآية الأمارة أي ولتكون أمارة للمؤمنين يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان أو يعرفون بها صدق الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في وعده إياهم فتح خيبر وما ذكر من المغانم وفتح مكة ودخول المسجد الحرام ، واللام متعلقة إما بمحذوف مؤخر أي ولتكون آية لهم فعل ما فعل أو بما تعلق به علة أخرى محذوفة من أحد الفعلين السابقين أي فعجل لكم هذه أو كف أيدي الناس عنكم لتنتفعوا بذلك ولتكون آية ، فالواو كما في الإرشاد على الأول اعتراضية وعلى الثاني عاطفة ، وعند الكوفيين الواو زائدة واللام متعلقة بكف أو بعجل ويهديكم بتلك الآية صراطا مستقيما هو الثقة بفضل الله تعالى والتوكل عليه في كل ما تأتون وتذرون .