الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن باب الإشارة في بعض الآيات: إنا فتحنا لك فتحا مبينا يشير عندهم إلى فتح مكة العماء بإدخال الأعيان الثابتة ظاهرة بنور الوجود فيها أي إظهارها للعيان لأجله عليه الصلاة والسلام على أن لام ( لك ) للتعليل، وحاصله أظهرنا العالم لأجلك وهو في معنى ما يروونه من قوله سبحانه: (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يشير إلى فتح باب قلبه عليه الصلاة والسلام إلى حضرة ربوبيته عز وجل بتجلي صفات جماله وجلاله وفتح ما انغلق على جميع القلوب من الأسرار وتفصيل شرائع الإسلام وغير ذلك من فتوحات قلبه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ليستر وجودك في جميع الأزمنة بوجوده جل وعلا ويتم نعمته عليك بإثبات جميع حسنات العالم في صحيفتك إذ كنت العلة في إظهاره ويهديك صراطا مستقيما بدعوة الخلق على وجه الجمع والفرق وينصرك الله على النفوس الأمارة ممن تدعوهم إلى الحق نصرا عزيزا قلما يشبهه نصر، ومن هنا كان صلى الله تعالى عليه وسلم أكثر الأنبياء عليهم السلام تبعا، وكان علماء أمته كأنبياء بني إسرائيل إلى غير ذلك مما حصل لأمته بواسطة تربيته عليه الصلاة والسلام لهم وإفاضة الأنوار والأسرار على نفوسهم وأرواحهم، والمراد ليجمع لك هذه الأمور فلا تغفل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فسروها بشيء يجمع نورا وقوة وروحا بحيث يسكن إليه ويتسلى به الحزين والضجر ويحدث عنده القيام بالخدمة [ ص: 130 ] ومحاسبة النفس وملاطفة الخلق ومراقبة الحق والرضا بالقسم والمنع من الشطح الفاحش، وقالوا: لا تنزل السكينة إلا في قلب نبي أو ولي ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم فيحصل لهم الإيمان العياني والإيمان الاستدلالي البرهاني إنا أرسلناك شاهدا على جميع المخلوقات إذ كنت أول مخلوق، ومن هنا أحاط صلى الله عليه وسلم علما بما لم يحط به غيره من المخلوقات لأنه عليه الصلاة والسلام شاهد خلق جميعها، ومن هذا المقام قال عليه الصلاة والسلام: (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد).

                                                                                                                                                                                                                                      ومبشرا ونذيرا إذ كنت أعلم الخلق بصفات الجمال والجلال إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يشير عندهم إلى كمال فناء وجوده صلى الله عليه وسلم وبقائه بالله عز وجل، وأيد ذلك بقوله سبحانه: يد الله فوق أيديهم سيقول لك المخلفون المتخلفون عن السير إلى قتال الأنفس الأمارة من الأعراب من سكان بوادي الطبيعة شغلتنا أموالنا وأهلونا العوائق والعلائق فاستغفر لنا اطلب من الله عز وجل ستر ذلك عنا ليتأتى لنا السير يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم لتمكن حب ذلك في قلوبهم وعدم استعدادهم لدخول غيره فيها:


                                                                                                                                                                                                                                      رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم وخاضوا بحار الحب دعوى فما ابتلوا



                                                                                                                                                                                                                                      قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا أي إن هاتيك العوائق والعلائق لا تجديكم شيئا بل كان الله بما تعملون خبيرا فيجازيكم عليها حسبما تقتضي الحكمة بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم بل حسبتم أن لا يرجع العقل والقوى الروحانية من السالكين السائرين إلى جهاد النفس وطلب مغانم التجليات والأنس إلى ما كانوا عليه من إدراك المصالح وتدبير حال المعاش وما تقتضيه هذه النشأة وظننتم ظن السوء بالله تعالى وشؤونه عز وجل وكنتم في نفس الأمر قوما بورا هالكين في مهالك الطبيعة وسوء الاستعداد سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها وهي مغانم التجليات ومواهب الحق لأرباب الحضرات ذرونا نتبعكم دعونا نسلك مسلككم لننال منالكم يريدون أن يبدلوا كلام الله في حقهم من حرمانهم المغانم لسوء استعدادهم قل لن تتبعونا كذلكم قال الله حكم وقضى من قبل إذ كنتم في عالم الأعيان الثابتة فسيقولون منكرين لذلك بل تحسدوننا ولهذا تمنعوننا عن الاتباع بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ولذلك نسبوا الحسد وهو من أقبح الصفات إلى ذوي النفوس القدسية المطهرة عن جميع الصفات الردية قل للمخلفين من الأعراب ستدعون ولا تتركون سدى إلى قوم أولي بأس شديد وهم النفس وقواها تقاتلونهم أو يسلمون ينقادون لحكم رسول العقل المنزه عن شوائب الوهم فإن تطيعوا الداعي يؤتكم الله أجرا حسنا من أنواع المعارف والتجليات وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما وهو عذاب الحرمان والحجاب ليس على الأعمى وهو من لم ير في الدار غيره ديارا حرج في ترك السلوك والجهاد المطلوب منكم لأنه وراء ذلك ولا على الأعرج وهو من فقد شيخا كاملا سالما عن عيب في كيفية التسليك والإيصال حرج في ترك السلوك أيضا، وهو إشارة إلى ما قالوا من أن ترك السلوك خير من السلوك على يد ناقص ولا على المريض بمرض العشق والهيام حرج في ذاك أيضا لأنه مجذوب والجذبة خير من السلوك لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة يشير إلى المعاهدين على القتل بسيف المجاهدة تحت سمرة الانفراد عن الأهل والمال، ويقال في أكثر الآيات الآتية نحو هذا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار أعداء الله عز وجل في مقام الفرق ( رحماء فيما بينهم ) لقوة مناسبة بعضهم [ ص: 131 ] بعضا فهم جامعون لصفتي الجلال والجمال سيماهم في وجوههم من أثر السجود له عز وجل وعدم السجود لشيء من الدنيا والأخرى وتلك السيما خلع الأنوار الإلهية، قال عامر بن عبد قيس: كاد وجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله وكذلك وجه الكافر وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة سترا لصفاتهم بصفاته عز وجل وأجرا عظيما وهو أن يتجلى سبحانه لهم بأعظم تجلياته وإلا فكل شيء دونه جل جلاله ليس بعظيم، وسبحانه من إله رحيم وملك كريم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية