وقوله تعالى: أإذا متنا وكنا ترابا تقرير للتعجب وتأكيد للإنكار أو بيان لموضع تعجبهم، والعامل في ( إذا ) مضمر غني عن البيان لغاية شهرته مع دلالة ما بعده عليه أي أحين نموت ونصير ترابا نرجع كما ينطق به النذير والمنذر به مع كمال التباين بيننا وبين [ ص: 173 ] الحياة حينئذ، وقوله سبحانه: ذلك إشارة إلى محل النزاع وهو الرجع والبعث بعد الموت أي ذلك الرجع رجع بعيد أي عن الأوهام أو العادة أو الإمكان، وقيل: الرجع بمعنى المرجوع أي الجواب يقال هذا رجع رسالتك ومرجوعها ومرجوعتها أي جوابها، والإشارة عليه إلى ( أإذا متنا ) إلخ، والجملة من كلام الله تعالى، والمعنى ذلك جواب بعيد منهم لمنذرهم، وناصب ( إذا ) حينئذ ما ينبئ عنه المنذر من المنذر به وهو البعث أي أإذا متنا وكنا ترابا بعثنا، وقد يقال: إنه لما تقرر أن ذلك جواب منهم لمنذرهم فقد علم أنه أنذرهم بالبعث ليصلح ذلك جوابا له فهو دليل أيضا على المقدر، فالقول بأنه إذا كان الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب لا يكون في الكلام دليل على ناصب ( إذا ) مندفع. نعم هذا الوجه في نفسه بعيد بل قال : إنه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم أبو حيان العرب.
وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وابن وثاب والأعمش وابن عتبة عن (إذا) بهمزة واحدة على صورة الخبر فجاز أن يكون استفهاما حذفت منه الهمزة وجاز أن يكون خبرا، قال في البحر: وأضمر جواب ( إذا ) أي إذا متنا وكنا ترابا رجعنا، وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب ذلك رجع بعيد على تقدير حذف الفاء، وقد أجاز ذلك بعضهم في جواب الشرط مطلقا إذا كان جملة اسمية، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة. ابن عامر