وجاءت كل نفس من النفوس البرة والفاجرة كما هو الظاهر معها سائق وشهيد وإن اختلفت كيفية السوق والشهادة حسب اختلاف النفوس عملا أي معها ملكان أحدهما يسوقها إلى المحشر والآخر يشهد بعملها، وروي ذلك عن رضي الله تعالى عنه وغيره، وفي حديث أخرجه عثمان في الحلية عن أبو نعيم مرفوعا تصريح بأن ملك الحسنات وملك السيئات أحدهما سائق والآخر شهيد، وعن جابر السائق ملك الموت والشهيد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي رواية أخرى عنه السائق ملك والشهيد العمل وكلاهما كما ترى، وقيل: الشهيد الكتاب الذي يلقاه منشورا، وعن أبي هريرة ابن عباس السائق ملك والشهيد جوارح الإنسان، وتعقبه والضحاك بقوله: وهذا بعيد عن ابن عطية لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي، وقوله تعالى: ابن عباس كل نفس يعم الصالحين، وقيل: السائق والشهيد ملك واحد والعطف لمغايرة الوصفين أي معها ملك يسوقها ويشهد عليها، وقيل: السائق نفس الجائي والشهيد جوارحه. وتعقب بأن المعية تأباه والتجريد بعيد، وفيه أيضا ما تقدم آنفا عن ، وقال ابن عطية أبو مسلم : السائق شيطان كان في الدنيا مع الشخص وهو قول ضعيف، وقال : الظاهر أن أبو حيان سائق وشهيد اسما جنس فالسائق ملائكة موكلون بذلك والشهيد الحفظة وكل من يشهد، ثم ذكر أنه يشهد بالخير الملائكة والبقاع، وفي الحديث (لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة).
و معها صفة ( نفس ) أو ( كل ) وما بعده [ ص: 184 ] فاعل به لاعتماده أو معها خبر مقدم وما بعده مبتدأ والجملة في موضع الصفة، واختير كونها مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف ومضمون هذه الجملة غير معلوم فلا تكون صفة إلا أن يدعي العلم به. وأنت تعلم أن ما ذكر غير . مسلم
وقال : محل الزمخشري معها سائق النصب على الحال من ( كل ) لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة، فإن أصل كل أن يضاف إلى الجمع كأفعل التفضيل فكأنه قيل: كل النفوس يعني أن هذا أصله وقد عدل عنه في الاستعمال للتفرقة بين كل الإفرادي والمجموعي، ولا يخفى أن ما ذكره تكلف لا تساعده قواعد العربية، وقد قال عليه في البحر: إنه كلام ساقط لا يصدر عن مبتدئ في النحو، ثم إنه لا يحتاج إليه فإن الإضافة للنكرة تسوغ مجيء الحال منها، وأيضا ( كل ) تفيد العموم وهو من المسوغات كما في شرح التسهيل. وقرأ (محا سائق) بالحاء مثقلة أدغم العين في الهاء فانقلبتا حاء كما قالوا: ذهب محم يريدون معهم،
طلحة