(
nindex.php?page=treesubj&link=29694_30386_30387_30538_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك ) إشارة إلى المذكورين أخيرا باعتبار اتصافهم بما تقدم من الصفات الحميدة ، والبعد للإشعار ببعد منزلتهم في الفضل ، وإلى هذا ذهب
المعظم ، وقيل : هو إشارة إلى المذكورين وهم طائفة واحدة ، وهو مبتدأ ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136جزاؤهم بدل اشتمال منه أو مبتدأ ثان ، وقوله تعالى : ( مغفرة ) خبر ( أولئك ) أو خبر المبتدأ الثاني ، والجملة خبر الأول ، وهذه الجملة خبر (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا ) إلخ على الوجه الأول ، وادعى مولانا
شيخ الإسلام أنه الأظهر الأنسب بنظم المغفرة المنبئة عن سابقة الذنب في س لك الجزاء إذ على الوجهين الأخيرين ( أولئك ) إلخ جملة مستأنفة مبينة لما قبلها كاشفة عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين ، ولم يذكر ما هو من أوصاف الأولين ما فيه شائبة الذنب حتى يذكر في مطلع الجزاء الشامل لهما المغفرة ، وتخصيص الإشارة بالأخيرين مع اشتراكهما في حكم إعداد الجنة لهما تعسف ظاهر انتهى .
والذي يشعر به ظاهر ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الذين ينفقون في السراء والضراء الآية ثم قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة الآية فقال : إن هذين النعتين لنعت رجل واحد أحد الوجهين الأخيرين اللذين أشار إليهما بل الأول منهما ، وتكون هذه الإشارة كما قال صاحب القيل ، وهذه المغفرة هي المغفرة التي أمر جميع المؤمنين من له ذنب ومن لا ذنب له منهم بالمسارعة إلى ما يؤدي إليها ، فلا يضر وقوعها في مطلع الجزاء ( من ربهم ) متعلق بمحذوف وقع صفة للمغفرة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي مغفرة عظيمة كائنة من جهته تعالى ، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحكم مع التشريف
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وجنات تجري من تحتها الأنهار عطف على ( مغفرة ) والمراد بها جنات في ضمن تلك الجنة التي أخبر سبحانه أن عرضها السموات والأرض وليس جنات وراءها على ما يقتضيه كلام صاحب القيل إلا أنه لم يكتف بإعداد ما وصف أولا تنصيصا على وصفها باشتمالها على ما يزيدها بهجة من الأنهار الجارية بعد وصفها بالسعة ، والإخبار بأنها جزاؤهم وأجرهم الذي لا بد بمقتضى الفضل أن يصل إليهم ، وهذا فوق الإخبار بالإعداد أو مؤكدة له فالتنوين للتعظيم على طرز ما ذكر في المعطوف عليه ، وادعى
شيخ الإسلام أن التنكير يشعر بكونها أدنى من الجنة السابقة ، وإن ذلك مما يؤيد رجحان الوجه الأول الذي أشار إليه وفيه تردد
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136خالدين فيها حال مقدرة من الضمير المجرور في ( جزاؤهم ) لأنه مفعول به معنى إذ هو في قوة يجزيهم الله جنات خالدين فيها ، ولا مساغ لأن يكون حالا من جنات في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لأبرز الضمير على ما عليه الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136ونعم أجر العاملين (136) المخصوص بالمدح محذوف أي ونعم أجر العاملين الجنة ، وعلى ذلك اقتصر
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل ، وذهب غير واحد أنه ذلك أي ما ذكر من المغفرة والجنات .
[ ص: 64 ] وفي الجملة على ما نص عليه بعض المحققين وجوه من المحسنات : أحدها أنها كالتذييل للكلام السابق فيفيد مزيد تأكيد للاستلذاذ بذكر الوعد ، وثانيها في إقامة الأجر موضع ضمير الجزاء لأن الأصل ( ونعم ) هو أي جزاؤهم إيجاب إنجاز هذا الوعد ، وتصوير صورة العمل في العمالة تنشيطا للعامل ، وثالثها في تعميم العاملين وإقامته مقام الضمير الدلالة على حصول المطلوب للمذكورين بطريق برهاني .
والمراد من الكلام السابق الذي جعل هذا كالتذييل له إما الكلام الذي في شأن التائبين ، أو جميع الكلام السابق على الخلاف الذي ذكرناه آنفا ، ومن ذهب إلى الأول قال : وكفاك في الفرق بين القبيلين وهما المتقون الذين أتوا بالواجبات بأسرها واجتنبوا المعاصي برمتها ، والمستغفرون لذنوبهم بعدما أذنبوا وارتكبوا الفواحش والظلم أنه تعالى فصل آية الأولين بقوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والله يحب المحسنين المشعر بأنهم محسنون محبوبون عند الله تعالى ، وفصل آية الآخرين بقوله جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136ونعم أجر العاملين المشعر بأن هؤلاء أجراء وأن ما أعطوا من الأجر جزاء لتداركهم بعض ما فوتوه على أنفسهم ، وأين هذا من ذاك وبعيد ما بين السمك والسماك ، ولا يخفى أنه على تقدير كون النعتين نعت رجل واحد كما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن يمكن أن يقال : إن ذكر هذه الجملة عقيب تلك لما ذكره بعض المحققين ، وأي مانع من الإخبار بأنهم محبوبون عند الله تعالى ، وأن الله تعالى منجز ما وعدهم به ولا بد وكونهم إذا أذنبوا استغفروا وتابوا لا ينافي كونهم محسنين ، أما إذا أريد من الإحسان الإنعام على الغير فظاهر ، وأما إذا أريد به الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق ، أو أن تعبد الله تعالى كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، كما صرح به في الصحيح ، فلأن ذلك لو نافى لزم أن لا يصدق المحسن إلا على نحو المعصوم ، ولا يصدق على من عبد الله تعالى وأطاعه مدة مديدة على أليق وجه وأحسنه ثم عصاه لحظة فندم أشد الندم واستغفر سيد الاستغفار ، ولا أظن أحدا يقول بذلك فتدبر .
ثم إن في هذه الآيات - على ما ذهب إليه
المعظم - دلالة على أن المؤمنين ثلاث طبقات ، متقين وتائبين ، ومصرين ، وعلى أن غير المصرين تغفر ذنوبهم ويدخلون الجنة ، وأما أنها تدل على أن المصرين لا تغفر ذنوبهم ولا يدخلون الجنة كما زعمه البعض فلا لأن السكوت عن الحكم ليس بيانا لحكمهم عند بعض ، ودال على المخالفة عند آخرين ، وكفى في تحققها أنهم مترددون بين الخوف والرجاء وأنهم لا يخلون عن تعنيف أقله تعييرهم بما أذنبوه مفصلا – ويا له من فضيحة - وهذا ما لا بد منه على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وحينئذ لم يتم لهم المغفرة الكاملة كما للتائبين على أن مقتضى ما في الآيات أن الجنة لا تكون جزاء للمصر ، وكذلك المغفرة ، أما نفي التفضل بهما فلا ، وهذا على أصل
المعتزلة واضح للفرق بين الجزاء والتفضل وجوبا وعدم وجوب ، وأما على أصل
أهل السنة فكذلك لأن التفضل قسمان : قسم مترتب على العمل ترتب الشبع على الأكل يسمى أجرا وجزءا ، وقسم لا يترتب على العمل فمنه ما هو تتميم للأجر كما أو كيفا كما وعده من الأضعاف وغير ذلك ، ومنه ما هو محض التفضل حقيقة واسما كالعفو عن أصحاب الكبائر ورؤية الله تعالى في دار القرار وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى ، قاله بعض المحققين ، وذكر العلامة
الطيبي أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار التي أعدت للكافرين وردت خطابا لآكلي الربا من المؤمنين وردعا لهم عن الإصرار على ما يؤديهم إلى دركات الهالكين من الكافرين وتحريضا على التوبة والمسارعة إلى نيل الدرجات مع الفائزين من المتقين والتائبين ، فإدراج المصرين في هذا المقام بعيد المرمى لأنه إغراء وتشجيع على الذنب ، لا زجر ولا ترهيب ، فبين بالآيات
[ ص: 65 ] معنى المتقين للترغيب والترهيب ومزيد تصوير مقامات الأولياء ومراتبهم ليكون حثا لهم على الانخراط في سلكهم ، ولا بد من ذكر التائبين واستغفارهم وعدم الإصرار ليكون لطفا لهؤلاء ، وجميع الفوائد التي ذكرت في قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ومن يغفر الذنوب إلا الله تدخل في المعنى ، فعلم من هذا أن دلالة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ولم يصروا على ما فعلوا مهجورة لأن مقام التحريض والحث أخرج المصرين ، والحاصل أن شرط دلالة المفهوم هنا منتف فلا يصح الاحتجاج بذلك للمعتزلة أصلا .
(
nindex.php?page=treesubj&link=29694_30386_30387_30538_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِينَ أَخِيرًا بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِمْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ ، وَالْبُعْدُ لِلْإِشْعَارِ بِبُعْدِ مَنْزِلَتِهِمْ فِي الْفَضْلِ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
الْمُعْظَمُ ، وَقِيلَ : هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136جَزَاؤُهُمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهُ أَوْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( مَغْفِرَة ) خَبَرُ ( أُولَئِكَ ) أَوْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا ) إِلَخْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَادَّعَى مَوْلَانَا
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ الْأَنْسَبُ بِنَظْمِ الْمَغْفِرَةِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ سَابِقَةِ الذَّنْبِ فِي سِ لْكِ الْجَزَاءِ إِذْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ( أُولَئِكَ ) إِلَخْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا كَاشِفَةٌ عَنْ حَالِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ الْمُحْسِنِينَ وَالتَّائِبِينَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَوَّلِينَ مَا فِيهِ شَائِبَةُ الذَّنْبِ حَتَّى يَذْكُرَ فِي مَطْلَعِ الْجَزَاءِ الشَّامِلِ لَهُمَا الْمَغْفِرَةَ ، وَتَخْصِيصُ الْإِشَارَةِ بِالْأَخِيرَيْنِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي حُكْمِ إِعْدَادِ الْجَنَّةِ لَهُمَا تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ انْتَهَى .
وَالَّذِي يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ الْآيَةَ ثُمَّ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً الْآيَةَ فَقَالَ : إِنَّ هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ لِنَعْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا بَلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِشَارَةُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْقِيلِ ، وَهَذِهِ الْمَغْفِرَةُ هِيَ الْمَغْفِرَةُ الَّتِي أُمِرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ لَهُ ذَنْبٌ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مِنْهُمْ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا ، فَلَا يَضُرُّ وُقُوعُهَا فِي مَطْلَعِ الْجَزَاءِ ( مِنْ رَبِّهِمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ صِفَةً لِلْمَغْفِرَةِ مُؤَكِّدَةً لِمَا أَفَادَهُ التَّنْوِينُ مِنَ الْفَخَامَةِ الذَّاتِيَّةِ بِالْفَخَامَةِ الْإِضَافِيَّةِ أَيْ مَغْفِرَةً عَظِيمَةً كَائِنَةً مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى ، وَالتَّعَرُّضِ لِعُنْوَانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِهِمْ لِلْإِشْعَارِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ مَعَ التَّشْرِيفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ عَطْفٌ عَلَى ( مَغْفِرَةٌ ) وَالْمُرَادُ بِهَا جَنَّاتٌ فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْجَنَّةِ الَّتِي أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَرْضَهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَيْسَ جَنَّاتٌ وَرَاءَهَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْقِيلِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِإِعْدَادِ مَا وُصِفَ أَوَّلًا تَنْصِيصًا عَلَى وَصْفِهَا بِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يَزِيدُهَا بَهْجَةً مِنَ الْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ بَعْدَ وَصْفِهَا بِالسِّعَةِ ، وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا جَزَاؤُهُمْ وَأَجْرُهُمُ الَّذِي لَا بُدَّ بِمُقْتَضَى الْفَضْلِ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ ، وَهَذَا فَوْقَ الْإِخْبَارِ بِالْإِعْدَادِ أَوْ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى طُرُزِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَادَّعَى
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ التَّنْكِيرَ يُشْعِرُ بِكَوْنِهَا أَدْنَى مِنَ الْجَنَّةِ السَّابِقَةِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُ رُجْحَانَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ وَفِيهِ تَرَدُّدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136خَالِدِينَ فِيهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي ( جَزَاؤُهُمْ ) لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ مَعْنًى إِذْ هُوَ فِي قُوَّةِ يَجْزِيهِمُ اللَّهُ جَنَّاتٍ خَالِدِينَ فِيهَا ، وَلَا مَسَاغَ لِأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ جَنَّاتٍ فِي اللَّفْظِ وَهِيَ لِأَصْحَابِهَا فِي الْمَعْنَى إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأُبْرِزَ الضَّمِيرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الْجَنَّةُ ، وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٌ ، وَذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّاتِ .
[ ص: 64 ] وَفِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وُجُوهٌ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ : أَحَدُهَا أَنَّهَا كَالتَّذْيِيلِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فَيُفِيدُ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ لِلِاسْتِلْذَاذِ بِذِكْرِ الْوَعْدِ ، وَثَانِيهَا فِي إِقَامَةِ الْأَجْرِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ ( وَنِعْمَ ) هُوَ أَيْ جَزَاؤُهُمْ إِيجَابُ إِنْجَازِ هَذَا الْوَعْدِ ، وَتَصْوِيرُ صُورَةِ الْعَمَلِ فِي الْعِمَالَةِ تَنْشِيطًا لِلْعَامِلِ ، وَثَالِثُهَا فِي تَعْمِيمِ الْعَامِلِينَ وَإِقَامَتِهِ مَقَامَ الضَّمِيرِ الدَّلَالَةُ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ لِلْمَذْكُورِينَ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ الَّذِي جُعِلَ هَذَا كَالتَّذْيِيلِ لَهُ إِمَّا الْكَلَامُ الَّذِي فِي شَأْنِ التَّائِبِينَ ، أَوْ جَمِيعُ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ قَالَ : وَكَفَاكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَبِيلَيْنِ وَهُمَا الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ أَتَوْا بِالْوَاجِبَاتِ بِأَسْرِهَا وَاجْتَنَبُوا الْمَعَاصِيَ بِرُمَّتِهَا ، وَالْمُسْتَغْفِرُونَ لِذُنُوبِهِمْ بَعْدَمَا أَذْنَبُوا وَارْتَكَبُوا الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ أَنَّهُ تَعَالَى فَصَّلَ آيَةَ الْأَوَّلِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الْمُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ مَحْبُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفَصَّلَ آيَةَ الْآخَرِينَ بِقَوْلِهِ جَلَ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الْمُشْعِرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ أُجَرَاءٌ وَأَنَّ مَا أُعْطُوا مِنَ الْأَجْرِ جَزَاءٌ لَتَدَارُكِهِمْ بَعْضَ مَا فَوَّتُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَبَعِيدٌ مَا بَيْنَ السَّمَكِ وَالسَّمَّاكِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّعْتَيْنِ نَعْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَقِيبَ تِلْكَ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ مَحْبُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْجِزٌ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ وَلَا بُدَّ وَكَوْنَهُمْ إِذَا أَذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا وَتَابُوا لَا يُنَافِي كَوْنَهُمْ مُحْسِنِينَ ، أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الْإِحْسَانِ الْإِنْعَامُ عَلَى الْغَيْرِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَعْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ ، أَوْ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الصَّحِيحِ ، فَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ نَافَى لَزِمَ أَنْ لَا يَصْدُقَ الْمُحْسِنُ إِلَّا عَلَى نَحْوِ الْمَعْصُومِ ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَى مَنْ عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَطَاعَهُ مُدَّةً مَدِيدَةً عَلَى أَلْيَقِ وَجْهٍ وَأَحْسَنِهِ ثُمَّ عَصَاهُ لَحْظَةً فَنَدِمَ أَشَدَّ النَّدَمِ وَاسْتَغْفَرَ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ ، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِذَلِكَ فَتَدَبَّرْ .
ثُمَّ إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ - عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الْمُعْظَمُ - دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ ، مُتَّقِينَ وَتَائِبِينَ ، وَمُصِرِّينَ ، وَعَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُصِرِّينَ تُغْفَرُ ذُنُوبُهُمْ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَأَمَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصِرِّينَ لَا تُغْفَرُ ذُنُوبَهُمْ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ فَلَا لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحُكْمِ لَيْسَ بَيَانًا لِحُكْمِهِمْ عِنْدَ بَعْضٍ ، وَدَالٌّ عَلَى الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ آخَرِينَ ، وَكَفَى فِي تَحَقُّقِهَا أَنَّهُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ عَنْ تَعْنِيفٍ أَقَلُّهُ تَعْيِيرُهُمْ بِمَا أَذْنَبُوهُ مُفَصَّلًا – وَيَا لَهُ مِنْ فَضِيحَةٍ - وَهَذَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُمُ الْمَغْفِرَةُ الْكَامِلَةُ كَمَا لِلتَّائِبِينَ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْآيَاتِ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَكُونُ جَزَاءً لِلْمُصِرِّ ، وَكَذَلِكَ الْمَغْفِرَةُ ، أَمَّا نَفْيَ التَّفَضُّلِ بِهِمَا فَلَا ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَاضِحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالتَّفَضُّلِ وُجُوبًا وَعَدَمَ وُجُوبٍ ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ
أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ التَّفَضُّلَ قِسْمَانِ : قِسْمٌ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْعَمَلِ تَرَتُّبَ الشِّبَعِ عَلَى الْأَكْلِ يُسَمَّى أَجْرًا وَجُزْءًا ، وَقِسْمٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَمَلِ فَمِنْهُ مَا هُوَ تَتْمِيمٌ لِلْأَجْرِ كَمًّا أَوْ كَيْفًا كَمَا وَعَدَهُ مِنَ الْأَضْعَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَحْضُ التَّفَضُّلِ حَقِيقَةً وَاسْمًا كَالْعَفْوِ عَنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِ الْقَرَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ
الطِّيبِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَرَدَتْ خِطَابًا لِآكِلِي الرِّبَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَدْعًا لَهُمْ عَنِ الْإِصْرَارِ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى دَرَكَاتِ الْهَالِكِينَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّوْبَةِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى نَيْلِ الدَّرَجَاتِ مَعَ الْفَائِزِينَ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَالتَّائِبِينَ ، فَإِدْرَاجُ الْمُصِرِّينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَعِيدُ الْمَرْمَى لِأَنَّهُ إِغْرَاءٌ وَتَشْجِيعٌ عَلَى الذَّنْبِ ، لَا زَجْرٌ وَلَا تَرْهِيبٌ ، فَبَيَّنَ بِالْآيَاتِ
[ ص: 65 ] مَعْنَى الْمُتَّقِينَ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَمَزِيدَ تَصْوِيرِ مَقَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَرَاتِبِهِمْ لِيَكُونَ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِهِمْ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ التَّائِبِينَ وَاسْتِغْفَارِهِمْ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ لِيَكُونَ لُطْفًا لِهَؤُلَاءِ ، وَجَمِيعُ الْفَوَائِدِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ تَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ دَلَالَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا مَهْجُورَةٌ لِأَنَّ مَقَامَ التَّحْرِيضِ وَالْحَثِّ أَخْرَجَ الْمُصِرِّينَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ هُنَا مُنْتَفٍ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَصْلًا .