وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين أي اذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال وقت قول موسى عليه السلام لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين [المائدة : 21] فلم يمتثلوا لأمره عليه السلام وعصوه أشد عصيان حيث قالوا : يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إلى قوله تعالى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون [المائدة : 22 - 24] وأصروا على ذلك كل الإصرار وآذوه عليه السلام كل الأذية فوبخهم على ذلك بقوله : يا قوم لم تؤذونني بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به وقد تعلمون أني رسول الله إليكم جملة حالية مؤكدة لإنكار الإيذاء ونفي سببه " وقد " لتحقيق العلم لا للتقليل ولا للتقريب لعدم مناسبة ذلك للمقام ، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار أي والحال أنكم تعلمون علما قطعيا مستمرا بمشاهدة ما ظهر على يدي من المعجزات الباهرة التي معظمها إهلاك عدوكم وإنجائكم من ملكته أني رسول الله إليكم لأرشدكم إلى خيري الدنيا والآخرة ، ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعظيمي وتسارعوا إلى طاعتي فلما زاغوا أي أصروا على الزيغ والانحراف عن الحق الذي جاء به عليه السلام واستمروا عليه أزاغ الله قلوبهم أي صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب لصرف اختيارهم نحو العمى والضلال ، وقيل : أي فلما زاغوا في نفس الأمر وبمقتضى ما هم عليه فيها أزاغ الله تعالى في الخارج قلوبهم إذ الإيجاد على حسب الإرادة ، والإرادة على حسب العلم . والعلم على حسب ما عليه الشيء في نفس الأمر ، وعلى الوجهين لا إشكال في الترتيب ، وقوله تعالى : والله لا يهدي القوم الفاسقين اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغة ومؤذن بعلته أي لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة . ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة إلى البغية ، وإلا فالهداية إلى ما يوصل إليها شاملة للكل ، والمراد بهم إما المذكورون خاصة والإظهار في مقام الإضمار لذمهم بالفسق وتعليل عدم الهداية به ، أو جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولا أوليا ، قيل : وأيا ما كان فهو ناظر إلى ما في قوله تعالى : فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين [المائدة : 25] وقوله سبحانه : فلا تأس على القوم الفاسقين [المائدة : 26] هذا وقيل : إذ ظرف متعلق بفعل مقدر يدل عليه ما بعد كزاغوا ونحوه ، والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة .
وذهب بعضهم إلى أن إيذاءهم إياه عليه السلام بما كان من انتقاصه وعيبه في نفسه وجحود آياته وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه وعبادتهم البقر وطلبهم رؤية الله سبحانه جهرة والتكذيب الذي هو حق الله تعالى وحقه عليه السلام ، وما ذكر أولا هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم ويرتضيه الذوق السليم