فإذا قضيت الصلاة أي أديت وفرغ منها فانتشروا في الأرض لإقامة مصالحهم وابتغوا من فضل الله أي الربح على ما قيل ، وقال مكحول والحسن : المأمور بابتغائه هو العلم . وابن المسيب
وأخرج عن ابن مردويه أنه قال : لم يؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى ، وأخرج نحوه ابن عباس عن ابن جرير مرفوعا ، والأمر للإباحة على الأصح فيباح بعد قضاء الصلاة الجلوس في المسجد ولا يجب الخروج ، وروي ذلك عن أنس الضحاك . ومجاهد
وحكى الكرماني في شرح الاتفاق على ذلك وفيه نظر ، فقد حكى البخاري السرخسي القول بأنه للوجوب ، [ ص: 104 ]
وقيل : هو للندب ، وأخرج وابن أبو عبيد المنذر والطبراني وابن مردويه عبد الله بن بسر الحراني قال : رأيت عبد الله بن بسر المازني صاحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلى الجمعة خرج فدار في السوق ساعة ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء الله تعالى أن يصلي ، فقيل له : لأي شيء تصنع هذا ؟ قال : إني رأيت سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا يصنع وتلا هذه الآية فإذا قضيت الصلاة إلخ . عن
وأخرج ابن المنذر عن قال : إذا انصرفت يوم الجمعة فاخرج إلى باب المسجد فساوم بالشيء وإن لم تشتره ، ونقل عنه القول بالندبية وهو الأقرب والأوفق بقوله تعالى : سعيد بن جبير واذكروا الله كثيرا أي ذكرا كثيرا ولا تخصوا ذكره عز وجل بالصلاة لعلكم تفلحون كي تفوزوا بخير الدارين ، ومما ذكرنا يعلم ضعف الاستدلال بما هنا على أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة ، واستدل بالآية على وكذا على عدم ندب صلاة سنتها البعدية في المسجد ، ولا دلالة فيها على نفي سنة بعدية لها ، وظاهر كلام بعض الأجلة أن من الناس من نفى أن للجمعة سنة مطلقا فيحتمل على بعد أن يكون استشعر نفي السنة البعدية من الأمر بالانتشار وابتغاء الفضل ، وأما نفي القبلية فقد استند فيه إلى ما روي في الصحيح وقد تقدم من أن النداء كان على عهده عليه الصلاة والسلام إذا جلس على المنبر إذ من المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام إذا كمل الأذان أخذ في الخطبة وإذا أتمها أخذ في الصلاة ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟ وأجيب عن هذا بأن خروجه عليه الصلاة والسلام كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع ، ويجب الحكم بوقوع الحكم بهذا المجوز لعموم ما صح من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي إذا زالت الشمس أربعا ، وكذا يجب في حقهم لأنهم أيضا يعلمون الزوال كالمؤذن بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن ، واستدل بقوله تعالى : تقديم الخطبة على الصلاة إذا نودي إلخ من قال : إنما يجب إتيان الجمعة من مكان يسمع فيه النداء ، والمسألة خلافية فقال ابن عمر وأبو هريرة ويونس : يجب إتيانها من ستة أميال ، وقيل : من خمسة ، وقال والزهري ربيعة : من أربعة ، وروي ذلك عن الزهري وابن المنكدر .
وقال مالك والليث : من ثلاثة ، وفي بحر أبي حيان وقال وأصحابه : يجب الإتيان على من في المصر سمع النداء أو لم يسمع لا على من هو خارج المصر وإن سمع النداء وعن أبو حنيفة ابن عمر وابن المسيب والزهري وأحمد وإسحاق على من سمع النداء ، وعن ربيعة على من إذا سمع وخرج من بيته ماشيا أدرك الصلاة ، وكذا استدل بذلك من قال بوجوب الإتيان إليها سواء كان إذن عام أم لا ، وسواء أقامها سلطان أو نائبه أو غيرهما أم لا لأنه تعالى إنما رتب وجوب السعي على النداء مطلقا كذا قيل ، وتحقيق الكلام على ذلك كله في كتب الفروع المطولة .