وقوله تعالى سخرها عليهم إلخ استئناف جيء به بيانا لكيفية إهلاكهم بالريح وجوز أن يكون صفة أخرى وأنه جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اقترانات بعض الكواكب ببعض ونزولها في بعض المنازل إذ لو وجدت الاقترانات المقتضية لبعض الحوادث كان ذلك بتقديره تعالى وتسببه عز وجل لا من ذاتها استقلالا والسبب الذي يذكره الطبائعيون للريح تكاثف الهواء في الجهة التي يتوجه إليها وتراكم بعضه على بعض بانخفاض درجة حرارته فيقل تمدده ويتكاثف ويترك أكثر المحل الذي كان مشغولا به خاليا أو بتجمع فجائي يحصل في الأبخرة المنتشرة في الهواء فتخلو محالها .
وعلى التقديرين يجري إلى ذلك المحل الهواء المجاور بقوة ليشغله فيحدث ويستمر حتى يمتلئ ذلك الفضاء ويتعادل فيه الهواء فيسكن عند ذلك ويتفاوت سيرها سرعة وبطأ فتقطع الريح المعتدلة على ما قيل في الساعة الواحدة نحو فرسخ والمتوسط فيها نحو أربعة فراسخ والقوية نحو ثمانية فراسخ وما هي أقوى منها نحو ستة عشر فرسخا وما هي أقوى وتسمى المؤتفكة نحو تسعة وعشرين فرسخا وقد تقطع في ساعة نحو ستة وثلاثين فرسخا وهذا أكثر ما قيل في سرعة الريح . .
وقد عملوا آلة يزعمون أنها مقياس يستعلم بها قوة هبوب الريح وضعفه وهذا غير بعيد من النوع الإنساني ويقال فيما ذكروه من السبب نحو ما سمعت آنفا ومعنى سخرها عليهم سلطها عز وجل بقدرته عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي متتابعات كما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة جمع حاسم كشهود جمع شاهد من حسمت الدابة إذا تابعت كيها على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم فهي مجاز مرسل من استعمال المقيد وهو الحسم الذي هو تتابع الكي في مطلق التتابع وفي الكشف هو مستعار من الحسم بمعنى الكي شبه الأيام بالحاسم والريح لملابستها بها وهبوبها فيها واستمرار وصفها بوصفها في قولهم يوم بارد وحار إلى غير ذلك بفعل الأيام كل هبة منها كية وتتابعها بتتابع الكيات حتى يحصل الانحسام أي استئصال الداء الذي هو المقصود . . وأبو عبيدة
والمعنى بعد التلخيص متتابعة هبوب الرياح حتى أتت عليهم واستأصلتهم أو نحسات مشؤومات كما قال قيل والمعنى قاطعات الخير بنحوستها وشؤمها فمعمول الخليل حسوما محذوف أو قاطعات قطعت دابرهم وأهلكتهم عن آخرهم كما قال . ابن زيد
وقال الحسم إزالة أثر الشيء يقال: قطعه فحسمه أي أزال مادته وبه سمي السيف حساما وحسم الداء إزالة أثره بالكي وقيل للشؤم المزيل لأثر ما ناله حسوم ( وحسوما ) في الآية قيل حاسما أثرهم وقيل حاسما خبرهم وقيل قاطعا لعمرهم وكل ذلك داخل في عمومه فلا تغفل . وجوز أن يكون حسوما مصدرا لا جمع حاسم وانتصابه إما بفعله المقدر حالا أي بحسمهم حسوما بمعنى تستأصلهم استئصالا أو على العلة أي سخرها عليهم لأجل الاستئصال أو على أنه صفة أي ذات حسوم . الراغب
وأيدت المصدرية بقراءة «حسوما» بفتح الحاء على أنه حال من الريح [ ص: 42 ] أي سخرها مستأصلة لتعين كونه مفردا على ذلك وهي كانت أيام العجوز من صبح الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب الأربعاء الآخر، وإنما سميت أيام العجوز، لأن عجوزا من السدي عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن وأهلكتها، أو لأنها عجز الشتاء فالعجوز بمعنى العجز وأسماؤها الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفئ الجمر ومطفئ الظعن ولم يذكر هذا الثامن من قال إنها سبعة لا ثمانية كما هو المختار فترى القوم أي إن كنت حاضرا حينئذ فالخطاب فيه فرضي فيها أي في الأيام والليالي وقيل في مهاب الريح وقيل في ديارهم والأول أظهر صرعى أي هلكى جمع صريع كأنهم أعجاز نخل أي أصول نخيل وقرأ أبو نهيك : «أعجز» على وزن أفعل كضبع وأضبع وحكى أنه قرئ «نخيل» بالياء الأخفش خاوية خلت أجوافها بلى وفسادا وقال ابن شجرة كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم فصاروا كأعجاز النخل الخاوية .
وقال خلت أبدانهم من أرواحهم فكانوا كذلك . وأخرج يحيى بن سلام عن ابن المنذر قال: كانوا في سبعة أيام في عذاب ثم في الثامن ماتوا وألقتهم الريح في البحر فذلك قوله تعالى . ابن جريج