والكلام في قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة على ذلك النمط بيد أنه قبل على قراءة لأقسم فيما قبل أن المراد هنا النفي على معنى «إني لأقسم بيوم القيامة» لشرفه ولا أقسم بالنفس اللوامة لخستها . وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير ما يقتضيه وحكاه في البحر عن قتادة وقال الحسن في هذه النفس هي الفاجرة الجشعة اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأغراضها وجاء نحوه في رواية عن قتادة والحق أنه تفسير لا يناسب هذا المقام ولذلك قيل هي النفس المتقية التي تلوم النفوس يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى والمبالغة بكثرة المفعول . وقال ابن عباس : هي التي تلوم نفسها على ما فات وتندم على الشر لم فعلته وعلى الخير لم لم تستكثر منه فهي لم تزل لائمة وإن اجتهدت في الطاعات فالمبالغة في الكيف باعتبار الدوام وقيل المراد «بالنفس اللوامة» جنس النفس الشاملة للتقية والفاجرة لما مجاهد
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا قالت كيف لم أزد منه، وإن عملت شرا قالت ليتني قصرت .
وضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها وبعثها فيه، وضعف بأن هذا القدر من اللوم لا يكون مدارا للإعظام بالإقسام وإن صدر عن النفس المؤمنة المسيئة فكيف من الكافرة المندرجة تحت الجنس وأجيب بأن القسم بها حينئذ بقطع النظر عن الصفة والنفس من حيث هي شريفة لأنها الروح التي هي من عظيم أمر الله عز وجل، وفيه أنه لا يظهر لذكر الوصف حينئذ فائدة والإمام أوقف الخبر على واعترضه بثلاثة أوجه، وأجاب عنها بحمل اللوم على تمني الزيادة وتمني إن لم يكن ما وقع من المعصية واقعا وما ذكر من توجيه الضم لا يخص هذا الوجه كما لا يخفى وقيل المراد بها نفس ابن عباس آدم عليه السلام فإنها لم تزل تلوم نفسها على فعلها الذي خرجت به من الجنة وأكثر الصوفية على أن النفس اللوامة فوق الأمارة وتحت المطمئنة، وعرفوا الأمارة بأنها هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، وقالوا هي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة .
وعرفوا [ ص: 137 ] اللوامة بأنها هي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت عن سنة الغفلة فكلما صدر عنها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية أخذت تلوم نفسها ونفرت عنها .
وعرفوا المطمئنة بأنها التي تم تنورها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة وسكنت عن منازعة الطبيعة ومنهم من قال في اللوامة هي المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة ومنهم من قال هي فوق المطمئنة وهي التي ترشحت لتأديب غيرها إلى غير ذلك والمشهور عنهم تقسيم مراتب النفس إلى سبع منها هذه الثلاثة وفي سير السلوك إلى ملك الملوك كلام نفيس في ذلك فليراجعه من شاء وجواب القسم ما دل عليه .