وقرأ نافع والكسائي بتنوين «قوارير» في الموضعين وصلا وإبداله ألفا وقفا وأبو بكر يمنع صرف الثاني ويصرف الأول لوقوعه في الفاصلة وآخر الآية، وقف عليه بألف مشاكلة لغيره من كلمات الفواصل والتنوين عند وابن كثير في الأول بدل من ألف الإطلاق كما في قوله: الزمخشري
يا صاح ما هاج العيون الذرفن
وفي الثاني للاتباع فتذكر، والقراءة بمنع صرفهما لحفص وابن عامر وحمزة وأبي عمرو وقرأ الثاني «قوارير» بالرفع أي هي قوارير الأعمش قدروها تقديرا أي قدروا تلك القوارير في أنفسهم فجاءت حسب ما قدروا لا مزيد على ذلك ولا يمكن أن يقع زيادة عليه، وفي معناه قول الطائي :ولو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع
[ ص: 160 ] فإنه ينبئ عن كون نفسه خلقت على أتم ما ينبغي من مكارم الصفات بحيث لا مزيد على ذلك فضمير قدروها للأبرار المطاف عليهم أو قدروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب . قال : أتوا بها على الحاجة لا يفضلون شيئا ولا يشتهون بعدها شيئا وعن ابن عباس تقديرها أنها ليست بالملأى التي تفيض ولا بالناقصة التي تغيض، فالضمير على ما هو الظاهر للسقاة الطائفين بها المدلول عليه بقوله تعالى ( يطاف عليهم) . مجاهد
وقد روى عبد بن حميد عن وابن المنذر أنه قال قدرتها السقاة وقيل: المعنى قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها والضمير على هذا قيل للملائكة وقيل للسقاة . وقرأ ابن عباس كرم الله تعالى وجهه علي وابن عباس والسلمي والشعبي وقتادة وزيد بن علي والجحدري عن والأصمعي أبي عمرو وابن عبد الخالق عن يعقوب وغيرهم «قدروها» على البناء للمفعول واختلف في تخريجها فقال : كان اللفظ قدروا عليها، وفي المغني قلب لأن حقيقته أن يقال قدرت عليهم فهو نحو قوله تعالى أبو علي ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة [القصص: 76] وقول العرب إذا طلعت الجوزاء ارتقى العود على الحرباء .
وقال : وجه ذلك أن يكون من قدرت الشيء بالتخفيف أي بينت مقداره فنقل إلى التفعيل فتعدى لاثنين أحدهما الضمير النائب عن الفاعل، والثاني ها والمعنى جعلوا قادرين لها كما شاؤوا وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا وقال الزمخشري : قدرت الأواني على قدر ريهم ففسر بعضهم هذا بأن في الكلام حذفا وهو أنه كان قدر على قدر ريهم إياها فحذف على فصار قدر نائب الفاعل ثم حذف فصار ريهم نائب الفاعل ثم حذف وصاروا والجمع نائب الفاعل واتصل المفعول الثاني بقدر فصار قدرها وقال أبو حاتم الأقرب أن يكون الأصل قدر ريهم منها تقديرا فحذف المضاف وهو الري وأقيم الضمير مقامه فصار قدروا منها ثم اتسع في الفعل فحذفت من ووصل الفعل إلى الضمير بنفسه فصار أبو حيان قدروها فلم يكن فيه إلا حذف مضاف واتساع في المجرور .
ولا يخفى أن القلب زيف وما قرره البعض تكلف جدا وفي كون ما اختاره أقرب مما اختاره جار الله نظر ولعله أكثر تكلفا منه. أبو حيان