ثم أدبر تولى عن الطاعة يسعى أي ساعيا مجتهدا في إبطال أمره عليه السلام ومعارضة الآية، وثم لأن إبطال ذلك ونقضه يقتضي زمانا طويلا، وجوز أن يكون الإدبار على حقيقته أي ثم انصرف عن المجلس ساعيا في إبطال ذلك، وقيل: أدبر يسعى هاربا من الثعبان؛ فإنه روي أنه لما ألقى العصا انقلبت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا فوضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فهرب فرعون وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه، وفي بعض الآثار أنها انقلبت حية وارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى، مرني بما شئت، يقول فرعون: أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصى، وأنت تعلم أن هذا إن كان بعد حشر السحرة للمعارضة كما هو المشهور فلا تظهر صحة إرادته هاهنا إذا أريد بالحشر بعد حشرهم وإن كان بعد التكذيب والعصيان وقبل الحشر فلا يظهر تراخيه عن الأولين، نعم قيل: إن ثم عليه للدلالة على استبعاد إدباره مرعوبا مسرعا مع زعمه الإلهية وقيل: أريد بقوله سبحانه: ثم أدبر ثم أقبل يفعل؛ أي: أنشأ، لكن جعل الإدبار موضع الإقبال تلميحا وتنبيها على أنه كان عليه دمارا وإدبارا.