قد أترك القرن مصفرا أنامله كأن أثوابه مجت بفرصاد
وتقول لبعض قواد العساكر: كم عندك من الفرسان؟ فيقول: رب فارس عندي، أو لا تعدم عندي فارسا وعنده المقانب، وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه، ولكنه أراد إظهار براءته من التزيد وإنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلا أن يتزيد فجاء بلفظ التقليل ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين، وبين بالكشف أنه يفيد ذلك مع ما في خصوص كل موقف من فائدة خاصة، وذكر أن من الفوائد هاهنا تهويل اليوم بتقليل الأنفس العالمة، وإن كن جميعها، وإظهار أنه كلام من غاية العظمة والكبرياء وأن من يغير هذه الأجرام العظام ويبدلها صفات وذوات تستقل الأنفس الإنسانية في جنب قدرته سبحانه أيما استقلال، وتعقب ذلك أبو السعود بما لا يخلو عن نظر كما لا يخفى على ذي نظر جليل فضلا عن ذي نظر دقيق، وجوز أن يكون ذلك للإشعار بأنه إذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي تلك التي عملت ما أحضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه: لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الإنسان على ما فعل فإنك لا تقصد بذلك أن ندمه مرجو الوجود لا متيقن به أو نادر الوجود بل تريد أن العاقل يجب عليه أن يجتنب أمرا يرجى منه الندم أو قل ما يقع فيه فكيف إذا كان قطعي الوجود، كثير الوقوع، واشتهر أن النكرة هنا في معنى العموم وهي قد تعم في الإثبات إذا اقتضى المقام أو نحوه ذلك، ومنه قول لبعض أهل ابن عمر الشام وقد سأله عن المحرم إذا قتل جرادة أيتصدق بتمرة فدية لها: تمرة خير من جرادة.
قيل: ولهذا العموم ساغ الابتداء بالنكرة فيه، وقول بعض: إنه لا عموم فيها بل العموم جاء من تساوي نسبة الجزء إلى أفراد الجنس، قيل: مبني على ظن منافاة العموم للوحدة والإفراد، وأنت تعلم أن ذلك إنما ينافي العموم الشمولي دون البدلي، وقال بعض: لا يبعد أن يقال: استفيد العموم بجعلها في حيز النفي معنى؛ لأن علمت نفس في معنى: لم تجهل نفس؛ لأن الحكم بالشيء يستلزم نفي ضده ليس بشيء، وإلا لعمت كل نكرة في الإثبات بنحو هذا التأويل. وعن عبد الله بن مسعود أن قارئا قرأ هذه السورة عنده فلما بلغ: علمت نفس ما أحضرت قال: وانقطاع ظهرياه.