وقوله تعالى: إن الذين أجرموا إلخ حكاية لبعض قبائح مشركي قريش أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم، جيء بها تمهيدا لذكر بعض أحوال الأبرار في الجنة.
كانوا أي: في الدنيا كما قال قتادة من الذين آمنوا يضحكون كانوا يستهزئون بفقرائهم كعمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من الفقراء.
وفي البحر: روي أن كرم الله [ ص: 77 ] تعالى وجهه وجمعا من المؤمنين معه مروا بجمع من كفار عليا مكة فضحكوا منهم واستخفوا بهم فنزلت: إن الذين أجرموا إلخ قبل أن يصل كرم الله تعالى وجهه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وفي الكشاف حكاية ذلك عن المنافقين وأنهم قالوا: ربنا اليوم الأصلع؛ أي: سيدنا؛ يعنون علي كرم الله تعالى وجهه، وإنما قالوه استهزاء، ولعل الأول أصح، وتقديم الجار والمجرور إما للقصر إشعارا بغاية شناعة ما فعلوا؛ أي: كانوا من الذين آمنوا يضحكون مع ظهور عدم استحقاقهم لذلك على منهاج قوله تعالى: عليا أفي الله شك لمراعاة الفواصل وإذا مروا أي المؤمنون بهم أي: بالذين أجرموا وهم في أنديتهم يتغامزون أي: يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم استهزاء بالمؤمنين، وإرجاع ضمير «مروا» للمؤمنين وضمير «بهم» للمجرمين هو الأظهر الأوفق بحكاية سبب النزول، واستظهر العكس معللا له بتناسق الضمائر أبو حيان وإذا انقلبوا أي المجرمون ورجعوا من مجالسهم إلى أهلهم انقلبوا فكهين ملتذين باستخفافهم بالمؤمنين.
وكان المراد بذلك الإشارة إلى أنهم يعدون صنيعهم ذلك من أحسن ما اكتسبوه في غيبتهم عن أهلهم أو إلى أن له وقعا في قلوبهم ولم يفعلوه مراعاة لأحد وإنما فعلوه لحظ أنفسهم. وقيل: فيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بما رأى من المارين بهم ويكتفون حينئذ بالتغامز، وقرأ الجمهور: «فاكهين» بالألف، قيل: هما بمعنى، وقيل: فكهين أشرين، وقيل: فرحين وفاكهين، قيل: متفكهين، وقيل: ناعمين، وقيل: مادحين.
وإذا رأوهم وإذا رأوا المؤمنين أينما كانوا قالوا إن هؤلاء لضالون يعنون جنس المؤمنين مطلقا لا خصوص المرئيين، منهم والتأكيد لمزيد الاعتناء بسبهم.
وما أرسلوا عليهم حافظين جملة حالية من ضمير قالوا؛ أي: قالوا ذلك والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله تعالى على المؤمنين موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وهذا تهكم واستهزاء بهم وإشعار بأن ما جرؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى، وجوز أن يكون من جملة قول المجرمين، والأصل: وما أرسلوا علينا حافظين إلا أنه قيل عليهم نقلا بالمعنى على نحو: قال زيد ليفعلن كذا، وغرضهم بذلك إنكار صد المؤمنين إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإيمان.