النار بدل اشتمال من الأخدود، والرابط مقدر؛ أي: فيه أو أقيم إلى مقام الضمير، أو لأنه معلوم اتصاله به فلا يحتاج لرابط، وكذا كل ما يظهر ارتباطه فيما قبل. وجوز كونه بدل كل من كل على تقدير محذوف؛ أي: أخدود النار وليس بذاك. وقرأ قوم: «النار» بالرفع فقيل: على معنى قتلتهم النار كما في قوله تعالى: أبو حيان يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال على قراءة: «يسبح» بالبناء للمفعول، وقوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين وليس المراد بالقتل اللعن، وجوز أن يراد بهم الكفرة والقتل على حقيقته بناء على ما قال الربيع بن أنس والكلبي وأبو العالية وأبو إسحاق من أن الله تعالى بعث على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذي كانوا على حافتي الأخدود، وأنت تعلم أن قول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دلت عليه القصص التي ذكروها فلا ينبغي أن يعول عليه، وإن حمل القتل على حقيقته غير ملائم للمقام، ولعل الأولى في توجيه هذه القراءة أن «النار» خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي أو هو النار، ويكون الضمير راجعا على الأخدود وكونه النار خارج مخرج المبالغة كأنه نفس النار ذات الوقود وصف لها بعناية العظمة وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه، ووجه إفادته ذلك أنه لم يقل موقدة بل جعلت ذات وقود، أي: مالكته وهو كناية عن زيادته زيادة مفرطة لكثرة ما يرتفع به لهبها وهو الحطب الموقد به؛ لأن تعريفه استغراقي، وهي إذا ملكت كل موقود به عظم حريقها ولهبها، وليس ذلك لأنه لا يقال ذو كذا إلا لمن كثر عنده كذا لأنه غير مسلم، وذو النون يأباه وكذا ذو العرش. وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة «الوقود» بضم الواو وهو مصدر بخلاف مفتوحه؛ فإنه ما يوقد به. وقد حكى سيبويه أنه مصدر كمضمونه.
وعيسى: