وقوله تعالى: خلق من ماء دافق استئناف وقع جوابا عن استفهام مقدر كأنه قيل: مم خلق؟ فقيل: خلق من ماء إلخ وظاهر كلام بعض الأجلة أنه جواب الاستفهام [ ص: 97 ] المذكور مع تعلق الجار ب «ينظر». وفيه مسامحة، وكأن المراد أنه على صورة الجواب وجعله جوابا له حقيقة على أنه مقطوع عن «ينظر» ليس بشيء عند من له نظر. والدفق صب فيه دفع وسيلان بسرعة، وأريد بالماء الدافق المني، و دافق قيل بمعنى مدفوق على تأويل اسم الفاعل بالمفعول. وقد قرأ بذلك رضي الله تعالى عنهما. وقال زيد بن علي الخليل هو على النسب كلابن وتامر؛ أي: ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول. وقيل: هو اسم فاعل، وإسناده إلى الماء مجاز، وأسند إليه ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية كما ذهب إليه وسيبويه: السكاكي أو مصرحة بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق؛ أي: يدفع بعضه بعضا. وقد فسر الدفق بالدفع، فقال: الدفق دفع الماء بعضه ببعض يقال: تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا، ويصح أن يكون الماء دافقا لأن بعضه يدفع بعضا فمنه دافق ومنه مدفوق، وتعقبه ابن عطية بأن الدفق بمعنى الدفع غير محفوظ في اللغة بل المحفوظ أنه الصب، ونقل عن أبو حيان أن دفق بمعنى انصب بمرة، فدافق بمعنى منصب فلا حاجة إلى التأويل، وتعقب بأنه مما تفرد به الليث كما في القاموس وغيره. وقيل: من ماء مع أن الليث ولذا كان خلق الإنسان لا يخلق إلا من ماءين ماء الرجل وماء المرأة، عيسى عليه السلام خارقا للعادة لأن المراد به الممتزج من الماءين في الرحم وبالامتزاج صارا ماء واحدا، ووصفه بالدفق قيل باعتبار أحد جزأيه وهو مني الرجل، وقيل: باعتبار كليهما ومني المرأة دافق أيضا إلى الرحم ويشير إلى إرادة الممتزج على ما قيل.