وإلى ربك وحده فارغب فاحرص بالسؤال ولا تسأل غيره تعالى فإنه القادر على الإسعاف لا غيره عز وجل.
وأخرج وغيره من طرق عن ابن جرير أنه قال أي: إذا ابن عباس فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وروي نحوه عن الضحاك وأخرج وقتادة، عن ابن المنذر أي: إذا ابن مسعود فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وعن أي: إذا الحسن فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة. وأخرج عن ابن أبي حاتم نحوه، وأخرج زيد بن أسلم ابن نصر وجماعة عن أي: إذا فرغت من أسباب نفسك، وفي لفظ: من دنياك ( فصل ) ، وفي رواية أخرى عنه نحو ما روي عن مجاهد؛ والأنسب حمل الآية على ما تقدم. وأما قول ابن عباس، ومن معه فهو تخصيص لبعض العبادات فراغا وشغلا إما مثالا لأن اللفظ خاص وهو الأظهر وكذا يقال فيما روي عن ابن عباس وإما لأن الصلاة أم العبادات البدنية والدعاء مخ العبادة فهما هما. وقول ابن مسعود، فيه ما شاع من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: الحسن «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
وهو قريب إلا أنه قيل عليه: إن السورة مكية والأمر بالجهاد بعد الهجرة، ولعله يقول بمدنيتها أو مدنية هذه الآية أو أنها مما تأخر حكمه عن نزوله كآيات أخر. وقول نظر فيه إلى أن الفراغ أكثر ما يستعمل في الخلو عن الأشغال الدنيوية كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: مجاهد «اغتنم فراغك قبل شغلك».
وهو أضعف الأقوال لبعده عما يقتضيه السياق وتؤذن به الفاء. وقال عصام الدين: الأنسب أن يراد فإذا فرغت من يسر فانصب بعسر آخر طلبا لليسرين، فإذا كنت كذلك فكن راغبا إلى ربك يعني لا تتحمل عسر الدنيا طمعا في يسرين فيها، بل تحمل عسر طلب الرب وقربه جل شأنه لليسرين انتهى. ولعمري إنه خلاف ما يفهمه من لا سقم في ذهنه من اللفظ.
وأشعرت الآية بأن اللائق بحال العبد أن يستغرق أوقاته بالعبادة أو بأن يفرغ إلى العبادة بعد أن يفرغ من أمور دنياه على ما سمعت من قول فيها، وذكروا أن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة. وعن مجاهد رضي الله تعالى عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته، وروي أن عمر شريكا مر برجلين يصطرعان فقال: ما بهذا أمر الفارغ. وقرأ أبو السمال «فرغت» بكسر الراء، وهي لغة. قال ليست بفصيحة. وقرأ قوم: «فانصب» بشد الباء مفتوحة من الانصباب، والمراد فتوجه إلى عبادة أخرى كل التوجه. ونسب إلى بعض الإمامية أنه قرأ: «فانصب» بكسر الصاد فقيل: أي: الزمخشري فإذا فرغت من النبوة فانصب عليا للإمامة، وليس في الآية دليل على خصوصية الفعول، فللسني أن يقدره رضي الله تعالى عنه، فإن احتج الإمامي بما وقع في غدير خم منع السني دلالته على ما ثبت عنده على النصب، وصحته على ما يرويه الإمامي. واحتج لما قدره بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: أبا بكر فليصل بالناس». أبا بكر «مروا
وقال: إنه أوفق ب «إذا فرغت» لما أنه صدر منه عليه الصلاة والسلام في مرض وفاته قبل وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم بخلاف ما كان في الغدير؛ فإنه لا يظهر أن زمانه فراغ من النبوة ظهور كون زمان الأمر كذلك وإن رجع. وقال: المراد فإذا فرغت من الحج فانصب عليا، ورد عليه أمر مكية السورة مع ما لا يخفى.
وقال في الكشاف: لو صح ذلك للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض كرم الله تعالى وجهه وعداوته وفيه نظر. ومن الناس من قدر المفعول خليفة، والأمر فيه هين. علي
وقال إن هذه القراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم. وقرأ ابن عطية: زيد بن علي «فرغب» أمر من رغب بشد الغين أي: فرغب الناس إلى طلب ما عنده عز وجل.
وابن أبي عبلة: