والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا كرم الله تعالى وجهه، علي رضى الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما في الذكر عليهما، بل هما داخلان في ذلك دخولا أوليا، ومثل ذلك اقتصاره في الإنسان الخاسر على ابن عباس أبي جهل وهو ظاهر. وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم.
وقوله تعالى: وتواصوا بالحق إلخ بيان لتكميلهم [ ص: 229 ] لغيرهم، أي وصى بعضهم بعضا بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره، وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل.
وتواصوا بالصبر عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبتلي الله تعالى به عباده من المصائب والصبر المذكور داخل في الحق، وذكر بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به لإبراز كمال العناية به، ويجوز أن يكون الأول عبارة رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضي الله تعالى، والثاني عبارة رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى؛ فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به باطنا وظاهرا.
وقرأ سلام وهارون وابن موسى عن «والعصر» بكسر الصاد «والصبر» بكسر الباء؛ قال أبي عمرو: وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة، وروي عن ابن عطية: بالصبر بكسر الباء إشماما، وهذا كما قال لا يكون أيضا إلا في الوقف، وقال صاحب اللوامح: قرأ أبي عمرو عيسى البصرة: «بالصبر» بنقل حركة الراء إلى الباء؛ لئلا يحتاج إلى أن يؤتى ببعض الحركة في الوقف ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين، وذلك لغة شائعة وليست بشاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب وانفصال من التقاء الساكنين وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى.
ومن هذا كما في البحر قوله:
أنا جرير كنيتي أبو عمر أضرب بالسيف وسعد في العصر
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وغيرهم عن وابن المنذر كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقرأ: علي
«والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن أنه قرأ: «والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا». وذكر أنها قراءة ميمون بن مهران هذا واستدل بعض ابن مسعود، المعتزلة بما في هذه السورة على أن مخلد في النار؛ لأنه لم يستثن فيها عن الخسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلخ. وأجيب عنه بأنه لا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر، وأما على كونه مخلدا في النار فلا كيف، والخسر عام؛ فهو إما بالخلود إن مات كافرا، وإما بالدخول النار إن مات عاصيا، ولم يغفروا ما بفوت الدرجات العاليات إن غفر وهو جواب حسن. مرتكب الكبيرة وللشيخ الماتريدي رحمه الله تعالى في التقصي عن ذلك تكلفات مذكورة في التأويلات فلا تغفل. وفي السورة من الندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ما لا يخفى.