إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قد مر تفسيره فيما سبق، وكرر للتأكيد، وخص هذا الموضع به ليكون كالتكميل لقصة من سبق بذكر الوعد بعد ذكر الوعيد في ضمن الآيات السابقة، فلا يضر بعد العهد، أو لأن للآية سببا آخر في النزول، فقد أخرج عن الثعلبي، - رضي الله تعالى عنهما - ابن عباس أن شيخا من العرب جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إني شيخ منهمك [ ص: 148 ] في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله تعالى منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أوقع المعاصي جراءة، وما توهمت طرفة عين أنى أعجز الله تعالى هربا، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله تعالى»؟ فنزلت.
" ومن يشرك بالله شيئا " من الشرك، أو أحدا من الخلق، وفي معنى الشرك به تعالى نفي الصانع، ولا يبعد أن يكون من أفراده.
فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق، أو عن الوقوع ممن له أدنى عقل، وإنما جعل الجزاء على ما قيل هنا (فقد ضل) إلخ، وفيما تقدم فقد افترى إثما عظيما لما أن تلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما يشكون في صحته من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووجوب اتباع شريعته، وما يدعو إليه من الإيمان بالله تعالى، ومع ذلك أشركوا وكفروا فصار ذلك افتراء واختلافا، وجراءة عظيمة على الله تعالى، وهذه الآية كانت في أناس لم يعلموا كتابا، ولا عرفوا من قبل وحيا، ولم يأتهم سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، فأشركوا بالله - عز وجل – وكفروا، وضلوا مع وضوح الحجة، وسطوع البرهان، فكان ضلالهم بعيدا، ولذلك جاء بعد تلك: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم وقوله سبحانه: انظر كيف يفترون على الله الكذب