قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا أمر بتبكيتهم إثر التعجيب من أحوالهم، والمراد بـ( ما لا يملك ) عيسى ، أو هو وأمه - عليهما الصلاة والسلام – والمعنى: أتعبدون شيئا لا يستطيع مثل ما يستطيعه الله تعالى من البلايا، والمصائب، والصحة، والسعة، أو أتعبدون شيئا لا استطاعة له أصلا، فإن كل ما يستطيعه البشر بإيجاد الله تعالى وإقداره عليه لا بالذات، وإنما قال سبحانه: ( ما ) نظرا إلى ما عليه المحدث عنه في ذاته، وأول أمره وأطواره؛ توطئة لنفي القدرة عنه رأسا، وتنبيها على أنه من هذا الجنس، ومن كان بينه وبين غيره مشاركة وجنسية كيف يكون إلها، وقيل: إن المراد بـ( ما ) كل ما عبد من دون الله تعالى كالأصنام وغيرها، فغلب [ ص: 210 ] ما لا يعقل على من يعقل تحقيرا، وقيل: أريد بها النوع كما في قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء .
وقيل: يمكن أن يكون المراد الترقي من توبيخ النصارى على عبادة عيسى - عليه السلام - إلى توبيخهم على عبادة الصليب، فـ( ما ) على بابها، ولا يخفى بعده، وتقديم الضر على النفع؛ لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع، ولأن أدنى درجات التأثير دفع الشر، ثم جلب الخير، وتقديم المفعول الغير الصريح على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم، والتشويق إلى المؤخر.
وقوله سبحانه وتعالى: والله هو السميع العليم في موضع الحال من فاعل ( أتعبدون ) مقرر للتوبيخ، متضمن للوعيد، والواو هو الواو، أي: ( أتعبدون ) غير الله تعالى وتشركون به سبحانه ما لا يقدر على شيء ولا تخشونه، والحال أنه سبحانه وتعالى المختص بالإحاطة بجميع المسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أنتم عليه من الأقوال الباطلة والعقائد الزائغة.
وقد يقال: المعنى: ( أتعبدون ) العاحز ( والله ) هو الذي يصح أن يسمع كل مسموع، ويعلم كل معلوم،، ولن يكون كذلك إلا وهو حي قادر على كل شيء، ومنه الضرر والنفع والمجازاة على الأقوال والعقائد، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وفرق بين الوجهين بأن ( ما ) على هذا الوجه للتحقير، والوصفية على هذا الوجه على معنى أن العدول إلى المبهم استحقار، إلا أن ( ما ) للوصف والحال مقررة لذلك، وعلى الأول للتحقير المجرد، والحال كما علمت، فافهم.