nindex.php?page=treesubj&link=17047_19995_30525_30532_33261_3441_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله جواب قسم محذوف أي والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف حالكم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94بشيء من الصيد أي مصيد البر كما قال
الكلبي: مأكولا كان أو غير مأكول ما عدا المستثنيات كما سيأتي إن شاء الله تعالى فاللام للعهد. والآية كما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل نزلت في عمرة
الحديبية حيث ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم وكانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تناله أيديكم ورماحكم فهموا بأخذها فنزلت. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وهو المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أن الذي تناله الأيدي فراخ الطير وصغار الوحش والبيض والذي تناله الرماح الكبار من الصيد. واختار
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي أن المراد بما تناله الأيدي والرماح صيد الحرم مطلقا لأنه كيفما كان يأنس بالناس ولا ينفر منهم كما ينفر في الحل، وقيل : ما تناله الأيدي ما يتأتى ذبحه وما تناله الرماح ما لا يتأتى ذبحه، وقيل : المراد بذلك ما قرب وما بعد، وذكر ابن عطية أن الظاهر أنه سبحانه وتعالى خص الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفا في الاصطياد وفيها يدخل الجوارح والحبالات وما عمل بالأيدي من فخاخ وأشباك. وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد ويدخل فيها السهم ونحوه. وتنكير شيء كما قال غير واحد للتحقير المؤذن بأن ذلك من الفتن الهائلة التي تزل فيها أقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلاف الأموال وإنما هو من قبيل ما ابتلي به أهل أيلة من صيد البحر وفائدته التنبيه على أن من لم يثبت في مثل هذا كيف يثبت عند شدائد المحن فمن بيانية أي بشيء حقير هو الصيد
واعترضه
ابن المنير بأنه قد وردت في هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة كما هو في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين فالظاهر والله تعالى أعلم أن (من) للتبعيض والمراد بما يشعر به اللفظ من التقليل والتبعيض التنبيه على أن جميع ما يقع الابتلاء به من هذه البلايا بعض من كل بالنسبة إلى مقدور الله تعالى، وأنه تعالى قادر على أن يجعل ما يبتليهم به من ذلك أعظم مما يقع وأهول وأنه مهما اندفع عنهم ما هو أعظم في المقدور فإنما يدفعه عنهم إلى ما هو أخف وأسهل لطفا بهم ورحمة ليكون هذا التنبيه باعثا لهم على الصبر وحاملا على الاحتمال، والذي يرشد إلى هذا سبق الأخبار بذلك قبل حلوله لتوطين النفوس عليه فإن المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، والإنذار بها قبل وقوعها مما يسهل موقعها وإذا فكر العاقل فيما يبتلى به من أنواع البلايا وجد المندفع منها عنه أكثر مما وقع فيه بأضعاف لا تقف عنده غاية فسبحان اللطيف بعباده انتهى.
وتعقبه مولانا
شهاب الدين بأن ما ذكر بعينه أشار إليه الشيخ في دلائل الإعجاز لأن (شيئا) إنما يذكر لقصد التعميم نحو قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وإن من شيء إلا يسبح بحمده أو الإبهام وعدم التعيين أو التحقير لادعاء أنه لحقارته لا يعرف. وهنا لو قيل : ليبلونكم بصيد تم المعنى فإقحامها لابد له من نكتة وهي ما ذكر، وأما ما
[ ص: 22 ] أورده من الآية الأخرى فشاهد له لا عليه لأن المقصود فيه أيضا التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله تعالى عنهم كما صرح به المعترض نفسه مع أنه لا يتم الاعتراض به إلا إذا كان، (ونقص) معطوفا على مجرور (من) ولو عطف على (شيء) لكان مثل هذه الآية بلا فرق انتهى
وقال
عصام الملة : يمكن أن يقال : التعبير بالشيء للإبهام المكنى به عن العظة، والتنوين للتعظيم أي بشيء عظيم في مقام المؤاخذة بهتكه إذا آخذ الله تعالى المبتلى به في الأمم السابقة بالمسخ والجعل قردة وخنازير ثم استظهر أن التعبير بذلك لإفادة البعضية، ومما قدمنا يعلم ما فيه. وقرأ
إبراهيم (يناله أيديكم) بالياء
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94ليعلم الله من يخافه بالغيب أي ليتعلق علمه سبحانه بمن يخافه بالفعل فلا يتعرض للصيد فإن علمه تعالى بأنه سيخافه وإن كان متعلقا به لكن تعلقه بأنه خائف بالفعل، وهو الذي يدور عليه أمر الجزاء إنما يكون عند تحقق الخوف بالفعل، وإلى هذا يشير كلام
البلخي . والغيب مصدر في موضع اسم الفاعل أي يخافه في الموضع الغائب عن الخلق فالجار متعلق بما قبله
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء أن يكون في موضع الحال من (من) أو من ضمير الفاعل في يخافه أي يخافه غائبا عن الخلق
وقال غير واحد : العلم مجاز عن وقوع المعلوم وظهوره. ومحصل المعنى ليتميز الخائف من عقابه الأخروي وهو غائب مترقب لقوة إيمانه فلا يتعرض للصيد من لا يخافه كذلك لضعف إيمانه فيقدم عليه، وقيل : إن هناك مضافا محذوفا والتقدير ليعلم أولياء الله تعالى و (من) على كل تقدير موصولة، واحتمال كونها استفهامية أي ليعلم جواب (من يخافه) أي هذا الاستفهام بعيد. وقرئ (ليعلم) من الإعلام على حذف المفعول الأول أي ليعلم الله عباده إلخ وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فمن اعتدى أي تجاوز حد الله تعالى وتعرض للصيد
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94بعد ذلك الإعلام وبيان أن ما وقع ابتلاء من جهته سبحانه لما ذكر من الحكمة. وقيل : بعد التحريم والنهي، ورد بأن النهي والتحريم ليس أمرا حادثا ترتب عليه الشرطية بالفاء، وقيل : بعد الابتلاء ورد بأن الابتلاء نفسه يصلح مدار التشديد والعذاب بل ربما يتوهم كونه عذرا مسوغا لتحقيقه
وفسر بعضهم الابتلاء بقدرة المحرم على المصيد فيما يستقبل، وقال : ليس المراد به غشيان الصيود إياهم فإنه قد مضى، وأنت تعلم أن إرادة ذلك المعنى ليست في حيز القبول والمعول عليه ما أشرنا إليه أي فمن تعرض للصيد بعد ما بينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحشه منهم ابتلاء مؤد إلى تعلق العلم بالخائف بالفعل أو تميز المطيع من العاصي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فله عذاب أليم
49
- لأن التعرض والاعتداء حينئذ مكابرة محضة وعدم مبالاة بتدبير الله تعالى وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية ومن لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهينة لا يكاد يراعيه في عظائم المداحض.والمتبادر على ما قيل : أن هذا العذاب الأليم في الآخرة، وقيل : هو في الدنيا
فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من طريق
قيس بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : هو أن يوسع ظهره وبطنه جلدا ويسلب ثيابه وكان الأمر كذلك في الجاهلية أيضا، وقيل : المراد بذلك عذاب الدارين وإليه ذهب شيخ الإسلام. ومناسبة الآية لما قبلها على ما ذكره
الأجهوري أنه سبحانه لما أمرهم أن لا يحرموا الطيبات. وأخرج من ذلك الخمر والميسر وجعلهما حرامين، وإنما أخرج بعد من الطيبات ما يحرم في حال
[ ص: 23 ] دون حال وهو الصيد.
nindex.php?page=treesubj&link=17047_19995_30525_30532_33261_3441_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَاللَّهِ لِيُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَخْتَبِرُكُمْ لِيَتَعَرَّفَ حَالَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ أَيْ مَصِيدِ الْبَرِّ كَمَا قَالَ
الْكَلْبِيُّ: مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَالْآيَةُ كَمَا أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٍ نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ حَيْثُ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّيْدِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَكَانَتِ الْوُحُوشُ تَغْشَاهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَكَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ صَيْدِهَا أَخْذًا بِأَيْدِيهِمْ وَطَعْنًا بِرِمَاحِهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ فَهَمُّوا بِأَخْذِهَا فَنَزَلَتْ. وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أَبِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الَّذِي تَنَالُهُ الْأَيْدِي فِرَاخُ الطَّيْرِ وَصِغَارُ الْوَحْشِ وَالْبَيْضُ وَالَّذِي تَنَالُهُ الرِّمَاحُ الْكِبَارُ مِنَ الصَّيْدِ. وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=13980الْجَبَائِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي وَالرِّمَاحُ صَيْدُ الْحَرَمِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ كَيْفَمَا كَانَ يَأْنَسُ بِالنَّاسِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْهُمْ كَمَا يَنْفِرُ فِي الْحِلِّ، وَقِيلَ : مَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي مَا يَتَأَتَّى ذَبْحُهُ وَمَا تَنَالُهُ الرِّمَاحُ مَا لَا يَتَأَتَّى ذَبْحُهُ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّ الْأَيْدِي بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ تَصَرُّفًا فِي الِاصْطِيَادِ وَفِيهَا يَدْخُلُ الْجَوَارِحُ وَالْحِبَالَاتُ وَمَا عُمِلَ بِالْأَيْدِي مِنْ فِخَاخٍ وَأَشْبَاكٍ. وَخَصَّ الرِّمَاحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَا يُجْرَحُ بِهِ الصَّيْدُ وَيَدْخُلُ فِيهَا السَّهْمُ وَنَحْوُهُ. وَتَنْكِيرُ شَيْءٍ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِلتَّحْقِيرِ الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ الْهَائِلَةِ الَّتِي تَزِلُّ فِيهَا أَقْدَامُ الرَّاسِخِينَ كَالِابْتِلَاءِ بِقَتْلِ الْأَنْفُسِ وَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ أَيْلَةَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَفَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِثْلِ هَذَا كَيْفَ يَثْبُتُ عِنْدَ شَدَائِدِ الْمِحَنِ فَمِنْ بَيَانِيَّةٍ أَيْ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ هُوَ الصَّيْدُ
وَاعْتَرَضَهُ
ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهَا فِي الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ وَالْمُرَادُ بِمَا يُشْعِرُ بِهِ اللَّفْظُ مِنَ التَّقْلِيلِ وَالتَّبْعِيضِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا يَقَعُ الِابْتِلَاءُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْبَلَايَا بَعْضٌ مِنْ كُلٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقْدُورِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ مَا يَبْتَلِيهِمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِمَّا يَقَعُ وَأَهْوَلَ وَأَنَّهُ مَهْمَا انْدَفَعَ عَنْهُمْ مَا هُوَ أَعْظُمُ فِي الْمَقْدُورِ فَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ وَأَسْهَلُ لُطْفًا بِهِمْ وَرَحْمَةً لِيَكُونَ هَذَا التَّنْبِيهُ بَاعِثًا لَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ وَحَامِلًا عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَالَّذِي يُرْشِدُ إِلَى هَذَا سَبْقُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِهِ لِتَوْطِينِ النُّفُوسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُفَاجَأَةَ بِالشَّدَائِدِ شَدِيدَةُ الْأَلَمِ، وَالْإِنْذَارَ بِهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا مِمَّا يُسَهِّلُ مَوْقِعَهَا وَإِذَا فَكَّرَ الْعَاقِلُ فِيمَا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَايَا وَجَدَ الْمُنْدَفِعَ مِنْهَا عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ بِأَضْعَافٍ لَا تَقِفُ عِنْدَهُ غَايَةٌ فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ بِعِبَادِهِ انْتَهَى.
وَتَعَقَّبَهُ مَوْلَانَا
شِهَابُ الدِّينِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ بِعَيْنِهِ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ لِأَنَّ (شَيْئًا) إِنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أَوِ الْإِبْهَامُ وَعَدَمُ التَّعْيِينِ أَوِ التَّحْقِيرُ لِادِّعَاءِ أَنَّهُ لِحَقَارَتِهِ لَا يُعْرَفُ. وَهُنَا لَوْ قِيلَ : لَيَبْلُوَنَّكُمْ بِصَيْدٍ تَمَّ الْمَعْنَى فَإِقْحَامُهَا لَابُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ وَهِيَ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا مَا
[ ص: 22 ] أَوْرَدَهُ مِنَ الْآيَةِ الْأُخْرَى فَشَاهِدٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ أَيْضًا التَّحْقِيرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُعْتَرِضُ نَفْسُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاعْتِرَاضُ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ، (وَنَقْصٌ) مَعْطُوفًا عَلَى مَجْرُورِ (مِنْ) وَلَوْ عُطِفَ عَلَى (شَيْءٍ) لَكَانَ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِلَا فَرْقٍ انْتَهَى
وَقَالَ
عِصَامُ الْمِلَّةِ : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : التَّعْبِيرُ بِالشَّيْءِ لِلْإِبْهَامِ الْمُكَنَّى بِهِ عَنِ الْعِظَةِ، وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ بِشَيْءٍ عَظِيمٍ فِي مَقَامِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَتْكِهِ إِذَا آخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُبْتَلَى بِهِ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ بِالْمَسْخِ وَالْجَعْلِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِإِفَادَةِ الْبَعْضِيَّةِ، وَمِمَّا قَدَّمْنَا يُعْلَمُ مَا فِيهِ. وَقَرَأَ
إِبْرَاهِيمُ (يَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ) بِالْيَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ أَيْ لِيَتَعَلَّقَ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ بِمَنْ يَخَافُهُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِلصَّيْدِ فَإِنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ سَيَخَافُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ لَكِنَّ تَعَلُّقَهُ بَأَنَّهُ خَائِفٌ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَزَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ بِالْفِعْلِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ
الْبَلْخِيِّ . وَالْغَيْبُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ يَخَافُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْغَائِبِ عَنِ الْخَلْقِ فَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ
وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (مَنْ) أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي يَخَافُهُ أَيْ يَخَافُهُ غَائِبًا عَنِ الْخَلْقِ
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : الْعِلْمُ مَجَازٌ عَنْ وُقُوعِ الْمَعْلُومِ وَظُهُورِهِ. وَمُحَصَّلُ الْمَعْنَى لِيَتَمَيَّزَ الْخَائِفُ مِنْ عِقَابِهِ الْأُخْرَوِيِّ وَهُوَ غَائِبٌ مُتَرَقِّبٌ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِلصَّيْدِ مَنْ لَا يَخَافُهُ كَذَلِكَ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ فَيُقْدِمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ : إِنَّ هُنَاكَ مُضَافًا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ لِيَعْلَمَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَ (مَنْ) عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مَوْصُولَةٌ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا اسْتِفْهَامِيَّةً أَيْ لِيُعْلَمَ جَوَابُ (مَنْ يَخَافُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ بَعِيدٌ. وَقُرِئَ (لِيُعْلِمَ) مِنَ الْإِعْلَامِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ أَيْ لِيُعْلِمَ اللَّهُ عِبَادَهُ إِلَخْ وَإِظْهَارُ الِاسْمِ الْجَلِيلِ فِي مَوْقِعِ الْإِضْمَارِ لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ وَإِدْخَالِ الرَّوْعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فَمَنِ اعْتَدَى أَيْ تَجَاوَزَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94بَعْدَ ذَلِكَ الْإِعْلَامِ وَبَيَانِ أَنَّ مَا وَقَعَ ابْتِلَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وَقِيلَ : بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَالنَّهْيِ، وَرَدَ بِأَنَّ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ لَيْسَ أَمْرًا حَادِثًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّرْطِيَّةُ بِالْفَاءِ، وَقِيلَ : بَعْدَ الِابْتِلَاءِ وَرَدَ بِأَنَّ الِابْتِلَاءَ نَفْسُهُ يَصْلُحُ مَدَارَ التَّشْدِيدِ وَالْعَذَابِ بَلْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ عُذْرًا مُسَوِّغًا لِتَحْقِيقِهِ
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الِابْتِلَاءَ بِقُدْرَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى الْمَصِيدِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَالَ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ غَشِيَانُ الصُّيُودِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّهُ قَدْ مَضَى، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إِرَادَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَيْسَتْ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَيْ فَمَنْ تَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بَعْدَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّيْدِ وَعَدَمِ تَوَحُّشِهِ مِنْهُمُ ابْتِلَاءٌ مُؤَدٍّ إِلَى تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْخَائِفِ بِالْفِعْلِ أَوْ تَمَيُّزِ الْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
49
- لِأَنَّ التَّعَرُّضَ وَالِاعْتِدَاءَ حِينَئِذٍ مُكَابَرَةٌ مَحْضَةٌ وَعَدَمُ مُبَالَاةٍ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخُرُوجٌ عَنْ طَاعَتِهِ وَانْخِلَاعٌ عَنْ خَوْفِهِ وَخَشْيَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ زِمَامَ نَفْسِهِ وَلَا يُرَاعِي حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْبَلَايَا الْهَيِّنَةِ لَا يَكَادُ يُرَاعِيهِ فِي عَظَائِمِ الْمَدَاحِضِ.وَالْمُتَبَادَرُ عَلَى مَا قِيلَ : أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ : هُوَ فِي الدُّنْيَا
فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : هُوَ أَنْ يُوسَعَ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ جَلْدًا وَيُسْلَبَ ثِيَابَهُ وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ عَذَابُ الدَّارَيْنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَمُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الْأَجْهُورِيُّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُحَرِّمُوا الطَّيِّبَاتِ. وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَجَعَلَهُمَا حِرَامَيْنِ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ بَعْدُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مَا يَحْرُمُ فِي حَالٍ
[ ص: 23 ] دُونَ حَالٍ وَهُوَ الصَّيْدُ.