71
- ومن جملته ذلك فيقدر جل شأنه عليه فيمسك به ويحفظه عليك [ ص: 113 ] من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى : فلا راد لفضله ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط
وقيل : إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى، والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد أنه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة، وأصل المس -كما قال تلاقي الجسمين، والمراد به هنا الإصابة. وجعل غير واحد الباء في (بضر) وفي (بخير) للتعدية وإن كان الفعل متعديا كأنه قيل : (وإن يمسسك الله الضر) وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في الجسم، وغيره بالفتح بضد النفع، وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر -على ما في البحر- لأن الشر أعم فأتي بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة، وقال أبو حيان- : إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابله الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكونه أوفق بالمعنى وألصق بالمقام كقوله تعالى : ابن عطية إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فجيء بالجوع مع العري وبالظمإ مع الضحو وكان الظاهر خلافه. ومنه قول امرئ القيس :
كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبإ الزق الروي
ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال
وفي فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره من كلام طويل: إن من أراد السلامة في الدنيا والآخرة فعليه بالصبر، والرضا، وترك الشكوى إلى خلقه، وإنزال حوائجه بربه عز وجل، ولزوم طاعته، وانتظار الفرج منه سبحانه وتعالى، والانقطاع إليه؛ فحرمانه عطاء، وعقوبته نعماء، وبلاؤه دواء، ووعده حال، وقوله فعل، وكل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة غير أنه عز وجل طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به فليس إلا الاشتغال بالعبودية من أداء الأوامر، واجتناب النواهي، والتسليم في القدر، وترك الاشتغال [ ص: 114 ] بالربوبية، والسكون عن لم وكيف ومتى؟ وتستند هذه الجملة إلى حديث رضي الله تعالى عنهما قال : " ابن عباس " فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة قلبه وشعاره ودثاره وحديثه فيعمل به من جهة حركاته وسكناته حتى يسلم في الدنيا والآخرة ويجد العزة برحمة الله عز وجل بينما أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : يا غلام احفظ الله تعالى يحفظك احفظ الله تعالى تجده أمامك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما هو كائن ولو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله سبحانه وتعالى لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله تعالى عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل لله تعالى بالصدق في اليقين فاعمل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا