فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا ما دعاهم الرسل عليهم الصلاة والسلام إليه وردوه عليهم ولم يتعظوا به كما روي عن وقيل : المراد أنهم انهمكوا في معاصيهم ولم يتعظوا بما نالهم من البأساء والضراء فلما لم يتعظوا ابن جريج، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من النعم الكثيرة كالرخاء وسعة الرزق مكرا بهم واستدراجا لهم
فقد روى أحمد والطبراني في شعب الإيمان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا "إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (فلما نسوا) الآية وما بعدها"، وروي عن والبيهقي أنه لما سمع الآية قال: "مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا" وقيل : المراد فتحنا عليهم ذلك إلزاما للحجة وإزاحة للعلة، والظاهر أن (فتحنا) جواب لـ (ما) [ ص: 152 ] لأن فيها سواء قيل بحرفيتها أو اسميتها معنى الشرط الحسن
واستشكل ذلك بأنه لا يظهر وجه سببية النسيان لفتح أبواب الخير، وأجيب بأن النسيان سبب الاستدراج المتوقف على فتح أبواب الخير، وسببية شيء لآخر تستلزم سببيته لما يتوقف عليه. أو يقال إن الجواب ما ذكر باعتبار مآله ومحصله وهو ألزمناهم الحجة ونحوه، وتسببه عنه ظاهر، وقيل : إنه مسبب عنه باعتبار غايته وهو أخذهم بغتة. وقرأ أبو جعفر (فتحنا) بالتشديد للتكثير وابن عامر حتى إذا فرحوا فرح بطر بما أوتوا من النعم ولم يقوموا بحق المنعم جل شأنه أخذناهم عاقبناهم وأنزلنا بهم العذاب بغتة أي فجأة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا، وهي نصب على الحالية من الفاعل أو المفعول أي مباغتين أو مبغوتين أو على المصدرية أي بغتناهم بغتة فإذا هم مبلسون
44
- أي آيسون من النجاة والرحمة كما روي عن رضي الله تعالى عنهما. وقال ابن عباس البلخي : أذلة خاضعون، وعن الإبلاس تغير الوجه ومنه سمي إبليس لأن الله تعالى نكس وجهه وغيره، وعن السدي: هو بمعنى الاكتئاب مجاهد
وفي الحواشي الشهابية للإبلاس ثلاثة معاني في اللغة الحزن، والحسرة، واليأس وهي معان متقاربة. وقال : هو الحزن المعترض من شدة اليأس، ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل : أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته و (إذا) هي الفجائية وهي ظرف مكان كما نص عليه الراغب وعن جماعة أنها ظرف زمان، ومذهب الكوفيين أنها حرف؛ وعلى القولين الأولين الناصب لها خبر المبتدإ أي أبلسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها
أبو البقاء.