هذا ومن باب الإشارة في الآيات وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا لتفاوت مراتب أرواحهم في الصفاء والكدورة والنور والظلمة والقرب والبعد ومن هنا قيل والجاهلون لأهل العلم أعداء وكلما اشتد التفاوت اشتدت العداوة وزاد الإيذاء الناشئ منها ولهذا ورد في بعض الآثار ما أوذي نبي مثل ما أوذيت وتسبب هذه العداوة مزيد التوجه إلى الحق جل شأنه والإعراض عن الملاذ والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو والاحتراز عما يوشك أن يكون سببا للطعن إلى غير ذلك ولتصغى أي تميل إليه أفئدة الذين لا يؤمنون وهم المحجوبون لوجود المناسبة وليرضوه بمحبتهم إياه وليقترفوا ما هم مقترفون من اسم التعاضد والتظاهر أفغير الله [ ص: 24 ] أبتغي حكما بيني وبينكم وهو الذي أنزل إليكم الكتاب المعجز الجامع مفصلا فيه الحق والباطل بحيث لا يبقى معه مقال لقائل فطلب ما سواه مما لا يليق بعاقل ولا يميل إليه إلا جاهل وتمت كلمة ربك أي تم قضاؤه في الأزل بما قضى وقدر صدقا مطابقا لما يقع وعدلا مناسبا للاستعداد قيل : صدقا فيما وعد وعدلا فيما أوعد لا مبدل لكلماته لأنها على طرز ما ثبت في علمه والانقلاب محال وإن تطع أكثر من في الأرض أي من الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة يضلوك عن سبيل الله لأنهم لا يدعون إلا للشهوات المبعدة عن الله تعالى إن يتبعون أي ما يتبعون لكونهم محجوبين في مقام النفس بالأوهام والخيالات إلا الظن وإن هم إلا يخرصون بقياس الغائب على الشاهد وذروا ظاهر الإثم من الأقوال والأفعال الظاهرة على الجوارح وباطنه من العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة .
وقال سهل ظاهر الإثم المعاصي كيف كانت وباطنه حبها وقال الشبلي ظاهر الإثم الغفلة وباطنه نسيان مطالعة السوابق وقال بعضهم ظاهر الإثم طلب الدنيا وباطنه طلب الجنة لأن الأمرين يشغلان عن الحق وكل ما يشغل عنه سبحانه فهو إثم وقيل : ظاهر الإثم حظوظ النفس وباطنه حظوظ القلب وقيل : ظاهر الإثم حب الدنيا وباطنه حب الجاه وقيل : ظاهر الإثم رؤية الأعمال وباطنه سكون القلب إلى الأحوال .
وإن الشياطين وهم المحجوبون بالظاهر عن الباطن ليوحون إلى أوليائهم أي من يواليهم من المنكرين ليجادلوكم بما يتلقونه من الشبه وإن أطعتموهم وتركتم ما أنتم عليه من التوحيد إنكم لمشركون مثلهم أومن كان ميتا بالجهل وهوى النفس أو الاحتجاب بصفاتها فأحييناه بالعلم ومحبة الحق أو كشف حجب صفاته وجعلنا له نورا من هدايتنا وعلمنا أو نورا من صفاتنا أو من كان ميتا بالمجاهدات فأحييناه بروح المشاهدات أو ميتا بشهوات النفس فأحييناه بصفاء القلب أو ميتا برؤية الثواب فأحييناه برؤية المآب إلى الوهاب وجعلنا له نور الفراسة أو الإرشاد وقال : المعنى أومن كان ميتا عنا فأحييناه بنا وجعلناه إماما يهدي بنور الإجابة ويرجع إليه الضلال وقال جعفر الصادق ابن عطاء : أومن كان ميتا بحياة نفسه وموت قلبه فأحييناه بإماتة نفسه وحياة قلبه وسهلنا عليه سبل التوفيق وكحلناه بأنوار القرب فلا يرى غيرنا ولا يلتفت إلى سوانا كمن مثله في الظلمات أي ظلمات نفسه وصفاته وأفعاله ليس بخارج منها لسوء استعداده كذلك زين للكافرين المحجوبين ما كانوا يعملون فاحتجبوا به وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ويكون ذلك سببا لمزيد كمال العارفين حسبما تقدم في جعل الأعداء للأنبياء عليهم السلام ويمكن أن يكون إشارة إلى ما في الأنفس أي وكذلك جعلنا في كل قرية وجود الإنسان التي هي البدن أكابر مجرميها من قوى النفس الأمارة ليمكروا فيها بإضلال القلب وما يمكرون إلا بأنفسهم لأن عاقبة مكرهم راجع إليهم آفاقا وأنفسا وإذا جاءتهم على يد الرسول عليه الصلاة والسلام آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله من الرسالة إليهم الله أعلم حيث يجعل رسالته وذلك حيث خزينة الاستعداد عامرة والنفس قدسية سيصيب الذين أجرموا باحتجاب عن الحق صغار عند الله أي ذل بذهاب قدرهم حين خرابأبدانهم وعذاب شديد بحرمانهم الملائم ووصول النافي إليهم في المعاد الجسماني