وقوله سبحانه : شركاؤهم فاعل له والمراد بالشركاء إما الجن أو السدنة ووسموا بذلك لأنهم شركاء [ ص: 33 ] في أموالهم كما مر آنفا أو طاعتهم له كما يطاع الشريك لله عز اسمه ومعنى تزيينهم لهم ذلك تحسينه لهم وحثهم عليه وقرأ ( زين ) بالبناء للمفعول الذي هو القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله وعقب ذلك ابن عامر بأنه شيء لو كان في مكان الضروريات وهو الشعر لكان سمجا مردودا كما سمج : الزمخشري
ورد زج القلوص أبي مزادة
فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في الكلام المعجز ثم قال : والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوبا بالياء ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب . اهـ .
وقد ركب في هذا الكلام عمياء وتاه في تيهاء فقد تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفا قرأ به اجتهادا لا نقلا وسماعا كما ذهب إليه بعض الجهلة فلذلك غلط في قراءته هذه وأخذ يبين منشأ غلطه وهذا غلط صريح يخشى منه الكفر والعياذ بالله تعالى فإن القراءات السبعة متواترة جملة وتفصيلا عن أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم فتغليط شيء منها في معنى تغليط رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تغليط لله عز وجل نعوذ بالله سبحانه من ذلك وقال أبو حيان : عجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة نظيرها في كلام العرب في غير ما بيت وأعجب بسوء هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله تعالى شرقا وغربا وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم . اهـ . وقد شنع عليه أيضا غير واحد من الأئمة ولعل عذره في ذلك جهله بعلمي القراءة والأصول . ابن عامر
وقد يقال : إنه لا يفرق بين المضاف الذي يعمل وبين غيره ومحققو النحاة قد فرقوا بينهما بأن الثاني يفصل فيه بالظرف والأول إذا كان مصدرا أو نحوه يفصل بمعموله مطلقا لأن إضافته في نية الانفصال ومعموله مؤخر رتبة ففصله كلا فصل فلذا ساغ ذلك فيه ولم يخص بالشعر كغيره وممن صرح بذلك ابن مالك وخطأ بعدم التفرقة وقال في كافيته : وظرف أو شبيهه قد يفصل جزأي إضافة وقد يستعمل الزمخشري
فصلان في اضطرار بعض الشعرا وفي اختيار قد أضافوا المصدرا
لفاعل من بعد مفعول حجز كقول بعض القائلين للرجز
بفرك حب السنبل الكنافج بالقاع فرك القطن المحالج
وعمدتي قراءة ابن عامر
وكم لها من عاضد وناصر
انتهى . وبعد هذا كله لو سلمنا أن قراءة منافية لقياس العربية لوجب قبولها أيضا بعد أن تحقق صحة نقلها كما قبلت أشياء نافت القياس مع أن صحة نقلها دون صحة القراءة المذكورة بكثير وما ألطف قول الإمام على ما حكاه عنه ابن عامر الجلال السيوطي وكثير ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهد في تقريره ببيت مجهول فرحوا به وأنا شديد التعجب منهم لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلا على صحته فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلا على صحته كان أولى ومما ذكرنا يعلم ما في قول السكاكي : يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف ونحو قوله :
بين ذراعي وجبهة الأسد
محمول على حذف المضاف إليه من الأول ونحو قراءة من قرأ ( قتل [ ص: 34 ] أولادهم شركائهم ) لاستنادها إلى الثقات وكثرة نظائرها ومن أرادها فعليه بخصائص محمولة عندي على حذف المضاف إليه من الأول وإضمار المضاف في الثاني كما في قراءة من قرأ ( والله يريد الآخرة ) بالجر أي عرض الآخرة وما ذكرت وإن كان فيه نوع بعد إلا أن تخطئة الثقات والفصحاء أبعد . اهـ . وقرأ ابن جني أبو عبد الرحمن السلمي ببناء ( زين ) للمفعول ورفع قتل وجر أولادهم ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه زين كما في قوله :
لبيك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
كأنه لما قيل : زين لهم قتل أولادهم من زينه فقيل : زينه شركاؤهم ليردوهم أي ليهلكوهم بالإغواء وليلبسوا عليهم دينهم أي ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل عليه السلام حتى زلوا عنه إلى الشرك أو دينهم الذي وجب أن يكونوا عليه وقيل : المعنى ليوقعوهم في دين ملتبس واللام للتعليل إن كان التزيين من الشياطين لأن مقصودهم من إغوائهم ليس إلا ذلك وللعاقبة إن كان من السدنة إذ ليس محط نظرهم ذلك لكنه عاقبة ولو شاء الله أي عدم فعلهم ذلك ما فعلوه أي ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل أو ما فعل الشركاء من التزيين أو الإرداء واللبس أو ما فعل الفريقان جميع ذلك على إجراء الضمير المفرد مجرى اسم الإشارة فذرهم وما يفترون (137) الفاء فصيحة أي إذا كان ما كان بمشيئة الله تعالى فدعهم وافتراءهم أو ما يفترونه من الكذب ولا تبال بهم فإن في ما يشاء الله تعالى حكما بالغة وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى