وهو الذي أنشأ جنات معروشات تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعام وقال الإمام : إنه عود إلى ما هو المقصود الأصلي وهو إقامة الدلائل على تقرير التوحيد أي وهو الذي خلق وأظهر تلك الجنات من غير شركة لأحد في ذلك بوجه من الوجوه والمعروشات من الكرم ما يحمل على العريش وهو عيدان تصنع كهيئة السقف ويوضع الكرم عليها وغير معروشات وهي الملقيات على وجه الأرض من الكرم أيضا وهذا قول من قال : إن المعروشات وغيرها كلاهما للكرم وعن أن المعروش ما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه من الكرم وما يجري مجراه وغير المعروش هو القائم من الشجر المستغني باستوائه وقوة ساقه عن التعريش وفي رواية عن أبي مسلم رضي الله تعالى عنهما أن المعروش ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه الناس وغير المعروش ما نبت في البراري والجبال وقيل : المعروش العنب الذي يجعل له عريش وغير المعروش كل ما ينبت منبسطا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ وقال ابن عباس عصام الدين : ولا يبعد أن يراد بالمعروش المعروش بالطبع كالأشجار التي ترتفع وبغير المعروش ما ينبسط على وجه الأرض كالكرم ويكون قوله سبحانه : والنخل والزرع تخصيصا بعد التعميم وهو عطف على جنات أي أنشأهما مختلفا في الهيئة والكيفية أكله أي ثمره الذي يؤكل منه وقرأ ابن كثير ونافع أكله بسكون الكاف وهو لغة فيه على ما يشير إليه كلام والضمير إما أن يرجع إلى أحد المتعاطفين على التعيين ويعلم حكم الآخر بالمقايسة إليه أو إلى كل واحد على البدل أو إلى الجميع والضمير بمعنى اسم الإشارة وعن الراغب أبي حيان أن الضمير لا يجوز إفراده مع العطف بالواو فالظاهر عوده على أقرب مذكور وهو الزرع ويكون قد حذف حال النخل لدلالة هذه الحال عليها والتقدير [ ص: 38 ] والنخل مختلفا أكله والزرع مختلفا أكله وجوز وجها آخر وهو أن في الكلام مضافا مقدرا والضمير راجع إليه أي ثمر جنات والحال المشار إليها على كل حال مقدرة إذ لا اختلاف وقت الإنشاء .
وزعم أنها كذلك إن لم يقدر مضاف أي ثمر النخل وحب الزرع وحال مقارنة إن قدر . أبو البقاء
والزيتون والرمان أي أنشأهما متشابها وغير متشابه أي يتشابه بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة ولا يتشابه في بعضها وأخرج ابن المنذر عن وأبو الشيخ أنه قال : متشابها في المنظر وغير متشابه في المطعم والنصب على الحالية ابن جريج كلوا أمر إباحة كما نص عليه غير واحد من ثمره الكلام في مرجع الضمير على طرز ما تقدم آنفا إذا أثمر وإن لم ينضج وينيع بعد ففائدة التقييد إباحة الأكل قبل الإدراك وقيل فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى وهو اختيار وغيره . الجبائي
وآتوا حقه للذي أوجبه الله تعالى فيه يوم حصاده وهو على ما في رواية عن عطاء العشر ونصف العشر وإليه ذهب ابن عباس الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وغيرهم والظرف قيد لما دل عليه الأمر بهيئته من الوجوب لا لما دل عليه بمادته من الحدث إذ ليس الأداء وقت الحصاد والحب في سنبله كما يفهم من الظاهر بل بعد التنقية والتصفية وادعى وطاوس علي بن عيسى أن الظرف متعلق بالحق فلا يحتاج إلى ما ذكر من التأويل .
وفي رواية أخرى عن الحبر أنه ما كان يتصدق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار ثم نسخ بالزكاة وإلى ذلك ذهب سعيد بن جبير والربيع بن أنس وغيرهما وقيل : ولا يمكن أن يراد به الزكاة المفروضة لأنها فرضت بالمدينة والسورة مكية وأجاب الإمام عن ذلك بأنا لا نسلم أن الزكاة ما كانت واجبة في مكة وكون آياتها مدنية لا يدل على ذلك على أنه قد قيل : إن هذه الآية مدنية أيضا وعن أن هذا حق في المال سوى الزكاة وأخرج الشعبي ابن منصور وغيرهما عن وابن المنذر أنه قال في الآية إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل فإذا دسته فحضرك المساكين فاطرح لهم فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته وقرأ مجاهد ابن كثير ونافع وحمزة ( حصاده ) بكسر الحاء وهي لغة فيه وعدل عن حصده وهو المصدر المشهور لحصد إليه لدلالته على حصد خاص وهو حصد الزرع إذا انتهى وجاء زمانه كما صرح به والكسائي وأشار إليه سيبويه الراغب ولا تسرفوا أي لا تتجاوزوا الحد فتبسطوا أيديكم كل البسط في الإعطاء .
أخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : نزلت في ابن جريج ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلا فقال : لا يأتين اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى ذلك وروي مثله عن . أبي العالية
وعن أن المراد أبي مسلم ولا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء وأخرج عن عبد الرزاق أن المعنى لا تمنعوا الصدقة فتعصوا وقال ابن المسيب : المعنى لا تنفقوا في معصية الله تعالى ويروى نحوه عن الزهري . مجاهد
فقد أخرج عنه أنه قال : لو كان أبو قيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما في معصية الله تعالى كان مسرفا وقال ابن أبي حاتم : المراد لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام . مقاتل
والخطاب على جميع هذه الأقوال لأرباب الأموال وأخرج عن ابن أبي حاتم أن الخطاب [ ص: 39 ] للولاة أي لا تأخذوا ما ليس لكم بحق وتضروا أرباب الأموال واختار زيد بن أسلم الطبرسي أنه خطاب للجميع من أرباب الأموال والولاة أي لا يسرف رب المال في الإعطاء ولا الإمام في الأخذ والدفع إنه لا يحب المسرفين (141) بل يبغضهم من حيث إسرافهم ويعذبهم عليه إن شاء جل شأنه.