قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر يعني لا يجعلون لله تعالى [ ص: 157 ] شريكا ، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطا .
ولا يقتلون النفس التي حرم الله يعني حرم قتلها ، وهي . نفس المؤمن والمعاهد
إلا بالحق والحق المستباح به قتلها ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس
ولا يزنون والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر ، واللواط زنى في أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به ، وفي ثلاثة أقاويل : إتيان البهائم
أحدها : أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب .
الثاني : أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه .
الثالث : أنه يوجب التعزير . فجمع في هذه الآية بين ، روى ثلاث من الكبائر: الشرك وقتل النفس والزنى عمرو بن شرحبيل قال : قلت : يا رسول الله (أو قال غيري) : أي ذنب أعظم عند الله؟ قال : (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) قال : ثم أي؟ قال : (أن تقتل ولدك خيفة أن يطعم معك) قال : ثم أي ؟ قال : (أن تزاني حليلة جارك) قال: فأنزل الله ذلك . ابن مسعود عن
ومن يفعل ذلك يعني هذه الثلاثة أو بعضها يلق أثاما فيه ثلاثة أوجه :
[ ص: 158 ] :
أحدها : أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام
الثاني : أن الأثام اسم واد في جهنم ، قاله ، ابن عمر ، ومنه قول الشاعر: وقتادة
لقيت المهالك في حربنا وبعد المهالك تلقى أثاما
الثالث : الجزاء ، قاله ، وقال الشاعر: السدي
وإن مقامنا ندعو عليكم بأبطح ذي المجاز له أثام
يضاعف له العذاب يوم القيامة فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، قاله . قتادة
الثاني : أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة .
الثالث : أنها استدامة العذاب بالخلود .
ويخلد فيه أي يخلد في العذاب بالشرك .
مهانا بالعقوبة .
إلا من تاب يعني من الزنى .
وآمن يعني من الشرك . وعمل عملا صالحا يعني بعد السيئات .
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : في الدنيا يبدلهم بالشرك إيمانا ، وبالزنى إحصانا وبذكر الله بعد نسيانه ، وبطاعته بعد عصيانه ، وهذا معنى قول ، الحسن . وقتادة
الثاني : أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات حسنات ، قاله . أبو هريرة
الثالث : أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها ، قاله ابن بحر .
وكان الله غفورا لما تقدم قبل التوبة .
رحيما لما بعدها . وحكى الكلبي أن وحشيا وهو عبد كتب بعد وقعة عتبة بن غزوان أحد وقتل [ ص: 159 ] إلى النبي صلى الله عليه وسلم : هل من توبة؟ فإن الله أنزل حمزة بمكة إياسي من كل خير والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية وإن وحشيا قد فعل هذا كله ، وقد زنى وأشرك وقتل النفس التي حرم الله ، فأنزل الله إلا من تاب أي من الزنى وآمن بعد الشرك وعمل صالحا بعد السيئات ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال وحشي : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحا ، فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من شيء أوسع من هذا؟ فأنزل الله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48 ، 116] ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي . فأرسل وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إنى لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله ، فأنزل الله في وحشي وأصحابه قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا [الزمر : 53] الآية . فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم .