قوله : قال نكروا لها عرشها أي غيروه وفي تغييره خمسة أوجه :
أحدها : أنه نزع ما عليه من فصوصه ، ومرافقه وجواهره ، قاله . ابن عباس
[ ص: 215 ] الثاني : أنه غير ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر جعله أحمر ، قاله . مجاهد
الثالث : غير بأن زيد فيه ونقص منه ، قاله . عكرمة
الرابع : حول أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره ، قاله . شيبان بن عبد الرحمن
الخامس : غيره بأن جعل فيه تمثال السمك ، قاله . أبو صالح
ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فيه وجهان :
أحدهما : أتهتدي إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون ، وهذا معنى قول ابن رومان .
الثاني : إلى معرفة العرش بفطنتها أم تكون من الذين لا يعرفون ، وهذا معنى قول ، ابن جبير . ومجاهد
فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو فلم تثبته ولم تنكره واختلف في سبب قولها ذلك ، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته ، وهذا معنى قول . قتادة
الثاني : لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بدل وغير فلذلك لم تثبته ، قاله . السدي
الثالث : شبهوا عليها حين قالوا : أهكذا عرشك؟ فشبهت عليهم فقالت : كأنه هو ولو قالوا لها : هذا عرشك لقالت : نعم ، قاله . مقاتل
وأوتينا العلم من قبلها وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه ، وفي تأويله ثلاثة أقاويل :
أحدها : معرفة الله وتوحيده ، قاله زهير .
الثاني : النبوة ، قاله . يحيى بن سلام
الثالث : أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها ، قاله ابن شجرة .
وكنا مسلمين فيه وجهان :
أحدهما : طائعين لله بالاستسلام له .
[ ص: 216 ] الثاني : مخلصين لله بالتوحيد .
قوله تعالى وصدها ما كانت تعبد من دون الله فيه أربعة أوجه :
أحدها : وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله .
الثاني : وصدها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق .
الثالث : وصدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها .
الرابع : وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر .
قوله : قيل لها ادخلي الصرح فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها بركة بنيت قوارير ، قاله . مجاهد
الثاني : أنها صحن الدار ، حكاه يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد . ابن عيسى
قال زهير: مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره .
الثالث : أنه القصر قاله ابن شجرة ، واستشهد بقول الهذلي .
على طرق كنحور الظباء تحسب أعلامهن الصروحا
فلما رأته حسبته لجة أي ماء لأن سليمان أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول لأنها وصفت له فأحب أن يراها .
قال : وكانت هلباء الشعر والهلباء الطويلة الشعر ، قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنية . قال مجاهد : وخافت الجن أن يتزوجها الحسن سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه . وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين ، لأن الآدمي جسماني ، والجني روحاني ، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار ، ويمتنع الامتزاج من هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف ، لكنه قيل فذكرته حاكيا .
[ ص: 217 ] وكشفت عن ساقيها فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما ، فكان أول من صنعت النورة . واختلفوا في سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل : السبب الذي كان من أجله أراد
أحدها : لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها .
الثاني : أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها .
الثالث : لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها .
قال إنه صرح ممرد من قوارير فيه قولان :
أحدهما : أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته ، قاله . علي بن عيسى
الثاني : أنه الواسع طوله وعرضه ، قاله ابن شجرة وأنشد:
غدوت صباحا باكرا فوجدتهم قبيل الضحى في البابلي الممرد
قوله تعالى : قالت رب إني ظلمت نفسي فيه قولان :
أحدهما : بالشرك الذي كانت عليه ، قاله ابن شجرة .
الثاني : بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن ، قاله . سفيان
وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين . قال : فتزوجها مقاتل سليمان واتخذ لها حماما ونورة بالشام ، وهو أول من اتخذ ذلك ، ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما ، فحكى عن ناس من الشعبي حمير أنهم حفروا مقبرة الملك فوجدوا فيها أرضا معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوخة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب : -
يا أيها الأقوام عوجوا معا وأربعوا في مقبري العيسا
[ ص: 218 ] لتعلموا أني تلك التي قد كنت أدعى الدهر بلقيسا
شيدت قصر الملك في حمير قومي وقد كان مأنوسا
وكنت في ملكي وتدبيره أرغم في الله المعاطيسا
بعلي سليمان النبي الذي قد كان للتوراة دريسا
وسخر الريح له مركبا تهب أحيانا رواميسا
مع ابن داود النبي الذي قدسه الرحمن تقديسا