إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
قوله : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أن هذه الأمانة هي ما أمر الله سبحانه من طاعته ونهى عن معصيته ، قاله . أبو العالية
الثاني : أنها القوانين والأحكام التي أوجبها الله على العباد وهو قريب من الأول ، قاله ، ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن . وابن جبير
الثالث : هي ائتمان الرجال والنساء على الفروج ، قاله . وقيل إن أول [ ص: 429 ] ما خلق الله من أبي آدم الفرج فقال : (يا آدم هذه أمانة خبأتها عندك فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك) .
الرابع : أنها الأمانات التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها وأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده حين أراد التوجه إلى أمر ربه فخان قابيل الأمانة في قتل أخيه هابيل ، قاله . السدي
الخامس : أن هذه الأمانة هي ما أودعه الله في السماوات والأرض والجبال والخلق من الدلائل على ربوبيته أن يظهرونها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها قاله بعض المتكلمين . وفي عرض هذه الأمانة ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن عرضها هو الأمر بما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها . قاله بعض المتكلمين .
الثاني : الأمانة عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ، قاله ابن بحر .
الثالث : أن الله عرض حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها .
واختلف قائلو هذا على وجهين :
أحدهما : أنها عرضت على السماوات والأرض والجبال ، قاله ، ابن عباس . ومجاهد
[ ص: 430 ] الثاني : أنها عرضت على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة قاله . الحسن
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها يحتمل وجهين :
أحدهما : أبين أن يحملنها عجزا وأشفقن منها خوفا .
الثاني : أبين أن يحملنها حذرا وأشفقن منها تقصيرا .
وحملها الإنسان فيه قولان :
أحدهما : جميع الناس ، قاله . ثعلب
الثاني : أنه آدم ثم انتقلت منه إلى ولده ، قاله . روي عن الحسن عن معمر أن الحسن فقالت : لا . قال الأمانة لما عرضت على السماوات والأرض والجبال قالت : وما فيها؟ قيل لها : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت : فلما خلق الله مجاهد آدم عرضها عليه قال : وما هي؟ قال : (إن أحسنت آجرتك وإن أسأت عذبتك ) قال تحملتها يا رب . قال : فما كان بين أن تحملها إلى أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر . مجاهد
إنه كان ظلوما جهولا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ظلوما لنفسه ، جهولا بربه ، قاله . الحسن
الثاني : ظلوما في خطيئته ، جهولا فيما حمل ولده من بعده ، قاله . الضحاك
الثالث : ظلوما لحقها ، قاله . جهولا بعاقبة أمره ، قاله قتادة . ابن جريج
قوله : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات فيه قولان :
أحدهما : أنه يعذبهم بالشرك والنفاق وهو معنى قول . مقاتل
الثاني : بخيانتهما الأمانة . قال : هما اللذان ظلماها ، واللذان خاناها : المنافق ، والمشرك . الحسن
ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي يتجاوز عنه بأداء الأمانة والوفاء بالميثاق .
وكان الله غفورا رحيما لمن تاب من شركه رحيما بالهداية إلى طاعته والله أعلم .