ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا [ ص: 484 ] وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الرأفة اللين، والرحمة الشفقة.
الثاني: أن الرأفة تخفيف الكل ، والرحمة تحمل الثقل. ورهبانية ابتدعوها فيه قراءتان: إحداهما بفتح الراء وهي الخوف من الرهب.
الثانية: بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان ومعناه أنهم ابتدعوا رهبانية ابتدؤوها. وسبب ذلك ما حكاه : [أنهم] بعد الضحاك عيسى ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم من كان على منهاج عيسى فقتلوهم ، فقال قوم بقوا بعدهم: نحن إذا نهيناهم قتلونا ، فليس يسعنا المقام بينهم ، فاعتزلوا النساء واتخذوا الصوامع ، فكان هذا ما ابتدعوه من الرهبانية التي لم يفعلها من تقدمهم وإن كانوا فيها محسنين. ما كتبناها عليهم أي لم تكتب عليهم وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها رفض النساء واتخاذ الصوامع ، قاله . قتادة
الثاني: أنها لحوقهم بالجبال ولزومهم البراري ، وروي فيه خبر مرفوع.
الثالث: أنها الانقطاع عن الناس والانفراد بالعبادة. [ ص: 485 ] وفي الرأفة والرحمة التي جعلها في قلوبهم وجهان:
[الأول] : أنه جعلها في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها.
الثاني: جعلها بأن خلقها فيهم وقد مدحوا بالتعريض بها. ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله أي لم تكتب عليهم قبل ابتداعها ولا كتبت بعد ذلك عليهم.
الثاني: أنهم تطوعوا بها بابتداعها ، ثم كتبت بعد ذلك عليهم ، قاله . الحسن فما رعوها حق رعايتها فيه وجهان:
أحدهما: أنهم ما رعوها لتكذيبهم بمحمد.
الثاني: بتبديل دينهم وتغييرهم فيه قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، قاله عطية العوفي.