يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فيه خمسة أقاويل : أحدها : أنه أراد قوما أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم منها وثبطوهم عنها ، فنزل ذلك فيهم; قاله ابن عباس .
الثاني : من أزواجكم وأولادكم من لا يأمر بطاعة الله ولا ينهى عن معصيته ، قاله قتادة .
الثالث : أن منهم من يأمر بقطيعة الرحم ومعصية الرب ، ولا يستطيع مع حبه ألا يطيعه ، وهذا من العداوة; قاله مجاهد . وقال مقاتل بن سليمان : نبئت أن عيسى عليه السلام قال : من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا .
الرابع : أن منهم من هو مخالف للدين ، فصار بمخالفة الدين عدوا ، قاله ابن زيد .
[ ص: 25 ]
الخامس : أن من حملك منهم على طلب الدنيا والاستكثار منها كان عدوا لك ، قاله سهل . وفي قوله فاحذروهم وجهان :
أحدهما : فاحذروهم على دينكم; قاله ابن زيد .
الثاني : على أنفسكم ، وهو محتمل . وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا الآية . يريد بالعفو عن الظالم ، وبالصفح عن الجاهل ، وبالغفران للمسيء . فإن الله غفور للذنب رحيم بالعباد ، وذلك أن من أسلم بمكة ومنعه أهله من الهجرة فهاجر ولم يمتنع قال : لئن رجعت لأفعلن بأهلي ولأفعلن ، ومنهم من قال : لا ينالون مني خيرا أبدا ، فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ، ونزلت هذه الآية فيهم . إنما أموالكم وأولادكم فتنة فيه وجهان :
أحدهما : بلاء ، قاله قتادة .
الثاني : محنة ، ومنه قول الشاعر
لقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان شرا طويلا
وفي سبب افتتانه بهما وجهان :
أحدهما : لأنه يلهو بهما عن آخرته ويتوفر لأجلهما على دنياه .
الثاني : لأنه يشح لأجل أولاده فيمنع حق الله من ماله ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الولد مبخلة محزنة مجبنة) .
[ ص: 26 ]
والله عنده أجر عظيم قال أبو هريرة والحسن وقتادة وابن جبير : هي الجنة . ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يكون أجرهم في الآخرة أعظم من منفعتهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا ، فلذلك كان أجره عظيما . فاتقوا الله ما استطعتم فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني جهدكم ، قاله أبو العالية .
الثاني : أن يطاع فلا يعصى ، قاله مجاهد .
الثالث : إنه مستعمل فيما يرجونه به من نافلة أو صدقة ، فإنه لما نزل قوله تعالى : اتقوا الله حق تقاته اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تعالى ذلك تخفيفا فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت الأولى ، قاله ابن جبير . ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها لأنه لا يستطيع اتقاءها . واسمعوا قال مقاتل : كتاب الله إذا نزل عليكم . وأطيعوا الرسول فيما أمركم أو نهاكم ، قال قتادة : عليها بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة . وأنفقوا خيرا لأنفسكم فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : هي نفقة المؤمن لنفسه ، قاله الحسن .
الثاني : في الجهاد ، قاله الضحاك .
الثالث : الصدقة ، قاله ابن عباس . ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : هوى نفسه ، قاله ابن أبي طلحة .
[ ص: 27 ]
الثاني : الظلم ، قاله ابن عيينة .
الثالث : هو منع الزكاة ، قال ابن عباس : من أعطى زكاة ماله فقد وقاه الله شح نفسه . إن تقرضوا الله قرضا حسنا فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : النفقة في سبيل الله ، قاله عمر رضي الله عنه .
الثاني : النفقة على الأهل ، قاله زيد بن أسلم .
الثالث : أنه قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، رواه ابن حبان . وفي قوله حسنا وجهان محتملان :
أحدهما : أن تطيب بها النفس .
الثاني : أن لا يكون بها ممتنا . يضاعفه لكم فيه وجهان :
أحدهما : بالحسنة عشر أمثالها ، كما قال تعالى في التنزيل .
الثاني : إلى ما لا يحد من تفضله ، قاله السدي . ويغفر لكم يعني ذنوبكم . والله شكور حليم فيه وجهان :
أحدهما : أن يشكر لنا القليل من أعمالنا وحليم لنا في عدم تعجيل المؤاخذة بذنوبنا .
الثاني : شكور على الصدقة حين يضاعفها ، حليم في أن لا يعجل بالعقوبة من [تحريف] الزكاة عن موضعها ، قاله مقاتل . عالم الغيب والشهادة يحتمل وجهين :
أحدهما : السر والعلانية .
الثاني : الدنيا والآخرة .


