فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين
[ ص: 73 ]
فاصبر لحكم ربك فيه وجهان :
أحدهما : لقضاء ربك .
الثاني : لنصر ربك ، قاله ابن بحر . ولا تكن كصاحب الحوت قال : قتادة ، وأن لا يعجل كما عجل صاحب الحوت وهو إن الله تعالى يعزي نبيه ويأمره بالصبر يونس بن متى . إذ نادى وهو مكظوم أما نداؤه فقوله : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . وفي مكظوم أربعة أوجه :
أحدها : مغموم ، قاله ابن عباس . ومجاهد
الثاني : مكروب ، قاله عطاء ، والفرق بينهما أن الغم في القلب ، والكرب في الأنفاس . وأبو مالك
الثالث : محبوس ، والكظم الحبس ، ومنه قولهم : فلان كظم غيظه أي حبس غضبه ، قاله ابن بحر .
الرابع : أنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس ، قاله . المبرد لولا أن تداركه نعمة من ربه فيه أربعة أوجه :
أحدها : النبوة ، قاله . الضحاك
الثاني : عبادته التي سلفت ، قاله . ابن جبير
الثالث : نداؤه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، قاله . ابن زيد
الرابع : أن نعمة الله عليه إخراجه من بطن الحوت ، قاله ابن بحر . لنبذ بالعراء فيه وجهان :
أحدهما : لألقي بالأرض الفضاء ، قاله ، قال السدي : بأرض قتادة اليمن .
الثاني : أنه عراء يوم القيامة وأرض المحشر ، قاله . ابن جرير وهو مذموم فيه وجهان :
أحدهما : بمعنى مليم .
[ ص: 74 ]
الثاني : مذنب ، قاله ، ومعناه أن ندعه مذموما . بكر بن عبد الله وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم الآية . فيه ستة أوجه :
أحدها : معناه ليصرعونك ، قاله . الكلبي
الثاني : ليرمقونك ، قاله . قتادة
الثالث : ليزهقونك ، قاله ، وكان يقرؤها كذلك . ابن عباس
الرابع : لينفذونك ، قاله . مجاهد
الخامس : ليمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك ، قاله . السدي
السادس : ليعتانونك ، أي لينظرونك بأعينهم ، قاله . وحكي أنهم قالوا : ما رأينا مثل حجمه ونظروا إليه ليعينوه ، أي ليصيبوه بالعين ، وقد كانت الفراء العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا بعين في نفسه أو ماله تجوع ثلاثا ثم يتعرض لنفسه أو ماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر مالا منه ولا أحسن ، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ، فأنزل الله هذه الآية . لما سمعوا الذكر فيه وجهان :
أحدهما : محمد .
الثاني : القرآن . وما هو إلا ذكر للعالمين فيه وجهان :
أحدهما : شرف للعالمين ، كما قال تعالى وإنه لذكر لك ولقومك [الزخرف : 44] .
الثاني : يذكرهم وعد الجنة ووعيد النار . وفي العالمين وجهان :
أحدهما : الجن والإنس ، قاله . ابن عباس
الثاني : كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف ولا يعرف .