سورة القارعة
مكية في قولهم جميعا بسم الله الرحمن الرحيم
القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية
قوله تعالى القارعة ما القارعة فيه وجهان :
أحدهما : أنها العذاب ، لأنها تقرع قلوب الناس بهولها . ويحتمل ثانيا : أنها ، كما قال تعالى : الصيحة لقيام الساعة ، لأنها تقرع بشدائدها . وقد تسمى بالقارعة كل داهية ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة [الرعد : 31] قال الشاعر
متى تقرع بمروتكم نسؤكم ولم توقد لنا في القدر نار
ما القارعة تعظيما لها ، كما قال تعالى : الحاقة ما الحاقة
[ ص: 328 ]
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وفي الفراش قولان :
أحدهما : أنه الهمج الطائر من بعوض وغيره ، ومنه الجراد ، قاله ، الثاني : أنه طير يتساقط في النار ليس ببعوض ولا ذباب ، قاله الفراء وقتادة . وفي أبو عبيدة المبثوث ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه المبسوط ، قاله . الحسن
الثاني : المتفرق ، قاله . أبو عبيدة
الثالث : أنه الذي يحول بعضه في بعض ، قاله . وإنما شبه الناس الكفار يوم القيامة بالفراش المبثوث لأنهم يتهافتون في النار كتهافت الفراش . الكلبي وتكون الجبال كالعهن المنفوش والعهن : الصوف ذو الألوان في قول ، وقرأ أبي عبيدة : (كالصوف) . وقال ابن مسعود كالعهن المنفوش لخفته ، وضعفه ، فشبه به الجبال لخفتها ، وذهابها بعد شدتها وثباتها . ويحتمل أن يريد جبال النار تكون كالعهن لحمرتها وشدة لهبها ، لأن جبال الأرض تسير ثم تنسف حتى يدك بها الأرض دكا . فأما من ثقلت موازينه فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات ، قاله ، قال الحسن رضي الله عنه : وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا . أبو بكر
الثاني : الميزان هو الحساب ، قاله ، ولذلك قيل : اللسان وزن الإنسان ، وقال الشاعر مجاهد
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
اي كلام أعارضه به .
[ ص: 329 ]
الثالث : أن الموازين الحجج والدلائل ، قاله ، واستشهد فيه بالشعر المتقدم . وفي الموازين وجهان : عبد العزيز بن يحيى
أحدهما : جمع ميزان .
الثاني : أنه جمع موزون . فهو في عيشة راضية فيه وجهان :
أحدهما : يعني في عيشة مرضية ، قال : وهي الجنة . قتادة
الثاني : في نعيم دائم ، قاله ، فيكون على الوجه الأول من المعاش ، وعلى الوجه الثاني من العيش . الضحاك وأما من خفت موازينه فأمه هاوية فيه وجهان :
أحدهما : أن الهاوية جهنم ، سماها أما له لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه ، قاله ، ومنه قول ابن زيد أمية بن أبي الصلت .
فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
وسميت . النار هاوية لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها
الثاني : أنه أراد أم رأسه يهوي عليها في نار جهنم ، قاله . وقال الشاعر عكرمة
يا عمرو لو نالتك أرحامنا كنت كمن تهوي به الهاوية .