يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد في قوله ليبلونكم تأويلان: أحدهما: معناه ليكلفنكم.
الثاني: ليختبرنكم ، قاله قطرب ، . [ ص: 66 ] وفي قوله: والكلبي من الصيد قولان: أحدهما: أن ( من ) للتبعيض في هذا الموضع لأن الحكم متعلق بصيد البر دون البحر ، وبصيد الحرم والإحرام دون الحل والإحلال. والثاني: أن ( من ) في هذا الموضع داخلة لبيان الجنس نحو قوله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان [الحج: 30] قاله . الزجاج تناله أيديكم ورماحكم فيه تأويلان: أحدهما: ما تناله أيدينا: البيض ، ورماحنا: الصيد ، قاله . والثاني: ما تناله أيدينا: الصغار ، ورماحنا: الكبار ، قاله مجاهد . ابن عباس ليعلم الله من يخافه بالغيب فيه أربعة تأويلات: أحدها: أن معنى ليعلم الله: ليرى ، فعبر عن الرؤية بالعلم لأنها تؤول إليه ، قاله . والثاني: ليعلم أولياؤه من يخافه بالغيب. والثالث: لتعلموا أن الكلبي والرابع: معناه لتخافوا الله بالغيب ، والعلم مجاز ، وقوله: الله يعلم من يخافه بالغيب. بالغيب يعني بالسر كما تخافونه في العلانية. فمن اعتدى بعد ذلك يعني فمن اعتدى في الصيد بعد ورود النهي. فله عذاب أليم أي مؤلم ، قال : نزلت يوم الكلبي الحديبية وقد غشي الصيد الناس وهم محرمون. قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني الإحرام بحج أو عمرة ، قاله الأكثرون. والثاني: يعني بالحرم الداخل إلى الحرم ، يقال أحرم إذا دخل في الحرم ، وأتهم إذا دخل تهامة ، وأنجد إذا دخل نجد ، ويقال أحرم لمن دخل في الأشهر الحرم. قاله بعض البصريين. [ ص: 67 ] والثالث: أن اسم المحرم يتناول الأمرين معا على وجه الحقيقة دون المجاز من أحرم بحج أو عمرة أو دخلالحرم ، وحكم على سواء بظاهر الآية ، قاله قتل الصيد فيهما . علي بن أبي هريرة ومن قتله منكم متعمدا فيه قولان: أحدهما: متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه ، قاله ، مجاهد وإبراهيم ، . والثاني: متعمدا لقتله ذاكرا لإحرامه ، قاله وابن جريج ، ابن عباس ، وعطاء . واختلفوا في والزهري على قولين. أحدهما: لا جزاء عليه ، قاله الخاطئ في قتله الناسي لإحرامه . داود
الثاني: عليه الجزاء ، قاله ، مالك ، والشافعي . وأبو حنيفة فجزاء مثل ما قتل من النعم يعني أن جزاء القتل في الحرم أو الإحرام مثل ما قتل من النعم. وفي مثله قولان: أحدهما: أن قيمة الصيد مصروفة في مثله من النعم ، قاله . والثاني: أن عليه مثل الصيد من النعم في الصورة والشبه قاله أبو حنيفة . الشافعي يحكم به ذوا عدل منكم يعني بالمثل من النعم ، فلا يستقر المثل فيه إلا بحكم عدلين فقيهين ، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما. هديا بالغ الكعبة يريد أن مثل الصيد من النعم يلزم إيصاله إلى الكعبة ، وعنى بالكعبة جميع الحرم ، لأنها في الحرم. واختلفوا على قولين: أحدهما: لا يجوز قاله: هل يجوز أن يهدي في الحرم ما لا يجوز في الأضحية من صغار الغنم . أبو حنيفة
الثاني: يجوز ، قاله . الشافعي أو كفارة طعام مساكين فيه قولان: [ ص: 68 ] أحدهما: أنه يقوم المثل من النعم ويشتري بالقيمة طعاما ، قاله ، عطاء . والشافعي
الثاني: يقوم الصيد ويشتري بالغنيمة طعاما ، قاله ، قتادة . وأبو حنيفة أو عدل ذلك صياما يعني عدل الطعام صياما ، وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه يصوم عن كل مد يوما ، قاله ، عطاء . والثاني: يصوم عن كل مد ثلاثة أيام ، قاله والشافعي . والثالث: يصوم عن كل صاع يومين ، قاله سعيد بن جبير . واختلفوا في ابن عباس على قولين: أحدهما: على الترتيب ، إن لم يجد المثل فالإطعام ، فإن لم يجد الطعام فالصيام ، قاله التكفير بهذه الثلاثة ، هل هو على الترتيب أو التخيير ، ابن عباس ، ومجاهد ، وعامر وإبراهيم ، . والثاني: أنه على التخيير في التكفير بأي الثلاثة شاء ، قاله والسدي ، وهو أحد قولي عطاء ، ومذهب ابن عباس الشافعي. ليذوق وبال أمره يعني في التزام الكفارة ، ووجوب التوبة. عفا الله عما سلف يعني قبل نزول التحريم. ومن عاد فينتقم الله منه فيه قولان: أحدهما: يعني ومن عاد بعد التحريم ، فينتقم الله منه بالجزاء عاجلا ، وعقوبة المعصية آجلا. والثاني: ومن عاد بعد التحريم في قتل الصيد ثانية بعد أوله ، فينتقم الله منه. وعلى هذا التأويل قولان: أحدهما: فينتقم الله منه بالعقوبة في الآخرة دون الجزاء ، قاله ، ابن عباس والثاني: بالجزاء مع العقوبة، قاله وداود. ، والجمهور . [ ص: 69 ] الشافعي