قوله عز وجل: ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا قال ابن عباس : ساء ظنه بقومه وضاق ذرعا بأضيافه. ويحتمل وجها آخر أنه ساء ظنه برسل ربه ، وضاق ذرعا بخلاص نفسه لأنه نكرهم قبل معرفتهم. وقال هذا يوم عصيب أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن يفضحوهم على قول ابن عباس ، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد ، قال الشاعر: [ ص: 488 ]
وإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
قال أبو عبيدة : وإنما قيل له عصيب لأنه يعصب الناس بالشر ، قال الكلبي : كان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ. قوله عز وجل: وجاءه قومه يهرعون إليه أي يسرعون ، والإهراع بين الهرولة والحجزى. قال الكسائي والفراء : لا يكون الإهراع إلا سراعا مع رعدة. وكان سبب إسراعهم إليه أن امرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجمالهم فأسرعوا إليه طلبا للفاحشة منهم. ومن قبل كانوا يعملون السيئات فيه وجهان: أحدهما: من قبل إسراعهم إليه كانوا ينكحون الذكور ، قاله السدي .
الثاني: أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة ، قاله عمر بن أبي زائدة. قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم. هؤلاء بناتي فيهن قولان: أحدهما: أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير : كان في بعض القرآن: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم.
الثاني: أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن ، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان. فإن قيل: كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟ قيل عن هذا ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة ، وكان هذا في صدر الإسلام جائزا حتى نسخ ، قاله الحسن .
الثاني: أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث: أنه قال ذلك ترغيبا في الحلال وتنبيها على المباح ودفعا للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن ، قاله ابن أبي نجيح. [ ص: 489 ] هن أطهر لكم أي أحل لكم بالنكاح الصحيح. فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا تذلوني بعار الفضيحة ، ويكون الخزي بمعنى الذل.
الثاني: لا تهلكوني بعواقب فسادكم ، ويكون الخزي بمعنى الهلاك.
الثالث: أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء ، يقال خزي الرجل إذا استحى ، قال الشاعر:
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها
والضيف: الزائر المسترقد ، ينطلق على الواحد والجماعة ، قال الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
أليس منكم رجل رشيد فيه وجهان: أحدهما: أي مؤمن ، قاله ابن عباس .
الثاني: آمر بالمعروف وناه عن المنكر ، قاله أبو مالك. ويعني: رجل رشيد ليدفع عن أضيافه ، وقال ذلك تعجبا من اجتماعهم على المنكر. قوله عز وجل: قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق فيه وجهان: أحدهما: ما لنا فيهن حاجة ، قاله الكلبي .
الثاني: ليس لنا بأزواج ، قاله محمد بن إسحاق . وإنك لتعلم ما نريد فيه وجهان: أحدهما: تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة ، قاله الكلبي .
الثاني: أننا نريد الرجال. [ ص: 490 ]


