قوله عز وجل: فاصدع بما تؤمر فيه ستة تأويلات: أحدها: فامض بما تؤمر ، قاله ابن عباس .
الثاني: معناه فاظهر بما تؤمر ، قاله الكلبي. قال الشاعر :
ومن صادع بالحق بعدك ناطق بتقوى ومن إن قيل بالجور عيرا
الثالث: يعني اجهر بالقرآن في الصلاة ، قاله مجاهد .
الرابع: يعني أعلن بما يوحى إليك حتى تبلغهم ، قاله ابن زيد.
الخامس: معناه افرق بين الحق والباطل ، قاله ابن عيسى.
السادس: معناه فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى ، حكاه النقاش. وقال رؤبة: ما في القرآن أعرب من قوله فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين فيه ثلاثة أوجه:
[ ص: 175 ] أحدها: أنه منسوخ بقوله تعالى فاقتلوا المشركين [التوبة: 5] قاله ابن عباس .
الثاني: أعرض عن الاهتمام باستهزائهم.
الثالث: معناه بالاستهانة بهم ، قاله ابن بحر. ثم فيه وجهان: أحدهما: اصدع الحق بما تؤمر من إظهاره.
الثاني: اصدع الباطل بما تؤمر من إبطاله. قوله تعالى: إنا كفيناك المستهزئين وهم خمسة: الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن الطلاطلة. أهلكهم الله جميعا قبل بدر لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه ، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة ، فتساقط لحمه عن عظامه ، فمات ، وأما أبو زمعة فعمي. وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه ، فسالت حدقتاه على وجهه ، فكان يقول: [دعا] علي محمد فاستجيب له ، ودعوت عليه فاستجيب لي ، دعا علي أن أعمى فعميت ، ودعوت عليه أن يكون طريدا بيثرب ، فكان كذلك ، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل [حين] نزل عليه بقوله تعالى: إنا كفيناك المستهزئين (دع لي خالي) يعني الأسود بن الطلاطلة فقال له: كفيت. قوله عز وجل: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك أي قلبك لأن الصدر محل القلب. بما يقولون يعني من الاستهزاء ، وقيل من الكذب بالحق. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين فيه وجهان:
[ ص: 176 ] أحدهما: الخاضعين.
الثاني: المصلين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فيه وجهان: أحدهما: الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك ، قاله شجرة.
الثاني: الموت الذي لا محيد عنه ، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.


