ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون
قوله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يريد بالقرية أهلها آمنة يعني من الخوف. مطمئنة بالخصب والدعة. يأتيها رزقها فيه وجهان: أحدهما: أقواتها.
[ ص: 217 ] الثاني: مرادها. رغدا فيه وجهان: أحدهما: طيبا.
الثاني: هنيئا. من كل مكان يعني منها بالزراعة ، ومن غيرها بالتجارة ، ليكون اجتماع الأمرين لهم أوفر لسكنهم وأعم في النعمة عليها. فكفرت بأنعم الله يحتمل وجهين. أحدهما: بترك شكره وطاعته.
الثاني: بأن لا يؤدوا حقها من مواساة الفقراء وإسعاف ذوي الحاجات. وفي هذه القرية التي ضربها الله تعالى مثلا أقاويل: أحدها: أنها مكة ، كان أمنها أن أهلها آمنون لا يتفاوزون كالبوادي. فأذاقها الله لباس الجوع والخوف وسماه لباسا لأنه قد يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس ، وقيل إن القحط بلغ بهم إلى أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم ، والقد أديم يؤكل ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: أنها المدينة آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كفرت بأنعم الله بقتل وما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الفتن ، وهذا قول عثمان بن عفان عائشة رضي الله عنهما. وحفصة
الثالث: أنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى.