قوله تعالى: فلما أتاها يعني النار ، التي هو نور نودي يا موسى إني أنا ربك وفي هذا النداء قولان: أحدهما: أنه تفرد بندائه.
الثاني: أن الله أنطق النور بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه ، فصار نداء منه أعلمه به ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره فقدم تأديبه بقوله: فاخلع نعليك الآية. وفي أمره بخلعهما قولان: أحدهما: ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس ، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج. والثاني: لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت ، قاله كعب ، وعكرمة ، وقتادة. إنك بالواد المقدس فيه وجهان: أحدهما: أن المقدس هو المبارك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. والثاني: أنه المطهر ، قاله قطرب ، وقال الشاعر:
وأنت وصول للأقارب مدره بريء من الآفات من مقدس
وفي طوى خمسة تأويلات: أحدها: أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلا فطواه ، قاله ابن عباس .
الثاني: سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين ؛ لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.
الثالث: بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين ، قاله الحسن.
[ ص: 397 ] الرابع: أن معنى طوى: طأ الوادي بقدمك ، قاله مجاهد .
الخامس: أنه الاسم للوادي قديما ، قاله ابن زيد: فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي. قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: وأقم الصلاة لتذكرني فيها ، قاله مجاهد . والثاني: وأقم الصلاة بذكري ؛ لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بذكره.
الثالث: وأقم الصلاة حين تذكرها ، قاله إبراهيم. وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) قال تعالى: وأقم الصلاة لذكري قوله تعالى: أكاد أخفيها فيه أربعة تأويلات: أحدها: أي لا أظهر عليها أحدا ، قاله الحسن ، ويكون أكاد بمعنى أريد.
الثاني: أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وهي كذلك في قراءة أبي (أكاد أخفيها من نفسي) ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها. وتقديره: إذا كنت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك؟ الثالث: معناه أن الساعة آتية أكاد. انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر: أكاد آتي بها تقريبا لورودها ، ثم استأنف: أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. قاله الأنباري ، ومثله قول ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
[ ص: 398 ] أي كدت أن أقتله ، فأضمره لبيان معناه.
الرابع: أن معنى - أخفيها: أظهرها ، قاله أبو عبيدة وأنشد:
فإن تدفنوا الداء لا نخفيه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته ، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته ، وأسررته إذا أظهرته. وفي قوله: وأسروا الندامة وجهان: أحدهما: أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذين أضلوهم. والثاني: أسر الرؤساء الندامة. قال الشاعر:
ولما رأى الحجاج أظهر سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا
لتجزى كل نفس بما تسعى فيه وجهان: أحدهما: أنه على وجه القسم من الله ، إن كل نفس تجزى بما تسعى.
الثاني: أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى. قوله عز وجل: فتردى فيه وجهان: أحدهما: فتشقى.
الثاني: فتنزل.


