قوله تعالى: لا تفتروا على الله كذبا فيه وجهان: أحدهما: لا تفتروا على الله كذبا بسحركم.
الثاني: بتكذيبي وقولكم ما جئت به سحر. فيسحتكم بعذاب فيهلككم ويستأصلكم ، قال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف
[ ص: 410 ] فالمسحت: المستأصل ، والمجلف: المهلك. فتنازعوا أمرهم بينهم فيه وجهان: أحدهما: فيما هيئوه من الحبال والعصي ، قاله . والثاني: فيمن يبتدئ بالإلقاء. الضحاك وأسروا النجوى فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحرا فسنغلبه ، وإن كان السماء فله أمره ، قاله . قتادة
الثاني: أنه لما قال لهم ويلكم الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر ، قاله ابن منبه.
الثالث: أنهم أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم إن هذان لساحران الآيات ، قاله مقاتل والسدي.
الرابع: أنهم أسروا النجوى. إن غلبنا موسى اتبعناه ، قاله قوله تعالى: الكلبي. قالوا إن هذان لساحران هذه قراءة وهي موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران ، فوافقوا المصحف فيها ، ثم اختلفوا في تشديد إن فخففها أبي عمرو ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب ، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ إن ذان إلا ساحران ، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إن هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل: [ ص: 411 ] أحدها: أن هذا على لغة أبي: بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإثنين ونصبه وخفضه بالألف ، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها ، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها إنه هذان لساحران ، وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث: أنه بنى (هذان) على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع: أن (إن) المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ، كما قال رجل لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال لابن الزبير: إن وصاحبها. وقال ابن الزبير: عبد الله بن قيس الرقيات
بكى العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
أي نعم ويذهبا بطريقتكم المثلى في قائل هذه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه قول السحرة.
الثاني: أنه قول قوم فرعون.
الثالث: قول فرعون من بين قومه ، وإن أشير به إلى جماعتهم. وفي تأويله خمسة أوجه: أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله . مجاهد
الثاني: ببني إسرائيل ، وكانوا أولي عدد ويسار ، قاله . قتادة
[ ص: 412 ] الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة . قاله ابن زيد.
الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون ، قاله . الضحاك
الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، [والمثلى مؤنث] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل ، قال أبو طالب:
وإنا لعمرو الله إن جد ما أرى لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قوله تعالى: فأجمعوا كيدكم فيه وجهان: أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.
الثاني: معناه أحكموا أمركم ، قال الراجز:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
أي محكم. ثم ائتوا صفا أي اصطفوا ولا تختلطوا. من استعلى أي غلب.