هو المقاتلة في سبيل الله: لإعلاء كلمة الله، وإعزاز الدين، الجهاد; الذين يقاتلونكم : الذين يناجزونكم القتال دون المحاجزين، وعلى هذا يكون منسوخا بقوله: وقاتلوا المشركين كافة [التوبة: 36].
وعن -رضي الله عنه-: هي أول آية نزلت في القتال الربيع بن أنس بالمدينة، فكان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقاتل من قاتل ويكف عمن كف، أو الذين يناصبونكم القتال دون من ليس من أهل المناصبة من [ ص: 396 ] الشيوخ والصبيان والرهبان والنساء، أو الكفرة كلهم; لأنهم جميعا مضادون للمسلمين قاصدون لمقاتلتهم، فهم في حكم المقاتلة، قاتلوا أو لم يقاتلوا.
وقيل: لما صد المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم عليه وسلم- عام الحديبية، وصالحوه على أن يرجع من قابل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام فرجع لعمرة القضاء خاف المسلمون أن لا يفي لهم قريش ويصدوهم ويقاتلوهم في الحرم وفي الشهر الحرام، وكرهوا ذلك، نزلت، وأطلق لهم قتال الذين يقاتلونهم منهم في الحرم والشهر الحرام، ورفع عنهم الجناح في ذلك.
ولا تعتدوا : بابتداء القتال، أو بقتال من نهيتم عن قتاله من النساء والشيوخ والصبيان، والذين بينكم وبينهم عهد، أو بالمثلة أو بالمفاجأة من غير دعوة حيث ثقفتموهم : حيث وجدتموهم في حل أو حرم، والثقف: وجود على وجه الأخذ والغلبة، ومنه: رجل ثقف سريع الآخذ لأقرانه، قال [من الوافر]:
فإما تثقفوني فاقتلوني فمن أثقف فليس إلى خلود
من حيث أخرجوكم أي: من مكة وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن لم يسلم منهم يوم الفتح، والفتنة أشد من القتل أي: المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل، وقيل لبعض الحكماء: ما أشد من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت، جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت، ومنه قول القائل [من الطويل]:
لقتل بحد السيف أهون موقعا على النفس من قتل بحد فراق
وقيل: "الفتنة": عذاب الآخرة ذوقوا فتنتكم [الذاريات: 13] وقيل: الشرك أعظم من القتل في الحرم، وذلك أنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ويعيبون به المسلمين، فقيل: والشرك الذي هم عليه أشد وأعظم مما يستعظمونه، ويجوز أن يراد: وفتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم، أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم فلا تبالوا بقتالهم، وقرئ: (ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم): جعل وقوع القتل [ ص: 397 ] في بعضهم كوقوعه فيهم، يقال: قتلتنا بنو فلان، وقال: فإن تقتلونا نقتلكم.
فإن انتهوا : عن الشرك والقتال، كقوله: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال: 38] حتى لا تكون فتنة أي: شرك ويكون الدين لله : خالصا ليس للشيطان فيه نصيب فإن انتهوا : عن الشرك فلا عدوان إلا على الظالمين : فلا تعدوا على المنتهين; لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم، فوضع قوله: إلا على الظالمين موضع على المنتهين، أو فلا تظلموا إلا الظالمين غير المنتهين، سمي جزاء الظالمين ظلما للمشاكلة، كقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه أو أريد أنكم إن تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيسلط عليكم من يعدو عليكم.