قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا
لقد علمت : يا فرعون، ما أنزل هؤلاء : الآيات إلا الله عز وجل، "بصائر": بينات مكشوفات، ولكنك معاند مكابر; ونحوه: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل: 14]، وقرئ : "علمت" بالضم، على معنى: إني لست بمسحور كما وصفتني، بل أنا عالم بصحة الأمر، وأن هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض، ثم قارع ظنه بظنه، كأنه قال: إن ظننتني مسحورا فأنا أظنك; مثبورا : هالكا، وظني أصح من ظنك ; لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته، ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت; لأن قولك مع علمك بصحة أمري، إني لأظنك مسحورا قول كذاب، وقال : "مثبورا": مصروفا عن الخير مطبوعا على قلبك، من قولهم: ما ثبرك عن هذا ؟ أي: ما منعك وصرفك ؟ وقرأ الفراء : "وإن إخالك يا أبي بن كعب فرعون لمثبورا": على "إن" المخففة واللام الفارقة، "فأراد": فرعون أن يستخف موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها، أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال، فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه، اسكنوا الأرض : التي أراد فرعون أن يستفزكم منها، فإذا جاء وعد الآخرة : يعني: قيام الساعة، جئنا بكم لفيفا : جمعا مختلطين إياكم وإياهم، ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم، واللفيف: الجماعات من قبائل شتى.