ذو القرنين: هو الإسكندر الذي ملك الدنيا، قيل: ملكها مؤمنان: ذو القرنين، وسليمان، وكافران: نمروذ، وبختنصر، وكان بعد نمروذ، واختلف فيه فقيل: كان عبدا صالحا ملكه الله الأرض، وأعطاه العلم والحكمة، وألبسه الهيبة وسخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه، وتحوطه الظلمة من ورائه، وقيل: نبيا، وقيل: ملكا من الملائكة، وعن -رضي الله عنه- أنه سمع رجلا يقول: يا عمر ذا القرنين، فقال: اللهم، غفرا ما رضيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة، وعن -رضي الله عنه -: سخر له السحاب، ومدت له الأسباب، وبسط له [ ص: 610 ] النور، وسئل عنه، فقال: أحبه الله فأحبه ، وسأله علي ابن الكوا: ما ذو القرنين؟ أملك أم نبي ؟ فقال: ليس بملك ولا نبي، ولكن كان عبدا صالحا، ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات، فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله، قيل: كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا"، يعني: جانبيها شرقها وغربها، وقيل: كان له قرنان، أي: ضفيرتان، وقيل: انقرض في وقته قرنان من الناس، وعن : لأنه ملك وهب الروم وفارس، وروي: الروم والترك، وعنه كانت صفحتا رأسه من نحاس، وقيل: كان لتاجه قرنان، وقيل: كان على رأسه ما يشبه القرنين، ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع: كبشا; لأنه ينطح أقرانه، وكان من الروم ولد عجوز ليس لها ولد غيره، والسائلون: هم اليهود، سألوه على جهة الامتحان، وقيل: سأله أبو جهل وأشياعه، والخطاب في "عليكم": لأحد الفريقين، من كل شيء : أي: من أسباب كل شيء، أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه، "سببا": طريقا موصلا إليه، والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة، فأراد بلوغ المغرب، فأتبع سببا : يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق، فأتبع سببا، وأراد بلوغ السدين فأتبع سببا، وقرئ : "فاتبع"، قرئ : "حمئة": من حمئت البئر: إذا صار فيها الحمأة، وحامية بمعنى: حارة، وعن : أبي ذر ، أتدري أين تغرب هذه ؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تغرب في عين حامية"، أبا ذر وهي قراءة كنت رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجمل، فرأى الشمس حين غابت فقال: "يا ، ابن مسعود ، وطلحة ، وابن [ ص: 611 ] عمر ، وابن عمرو ، وقرأ والحسن : "حمئة"، وكان ابن عباس عند ابن عباس ; فقرأ معاوية : "حامية"، فقال معاوية : "حمئة"، فقال ابن عباس معاوية : كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى لعبد الله بن عمرو ، كيف تجد الشمس تغرب ؟ قال: في ماء وطين، كذلك نجده في التوراة، وروي: في ثأط، فوافق قول كعب الأحبار ، وكان ثمة رجل فأنشد قول ابن عباس تبع [من الكامل]:
فرأى مغيب الشمس عند مآبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
أي: في عين ماء ذي طين وحمإ أسود، ولا تنافي بين الحمئة والحامية، فجائز أن [ ص: 612 ] تكون العين جامعة للوصفين جميعا، كانوا كفرة فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم، فقال: أما من دعوته فأبى إلا البقاء على الذي هو الشرك: فذلك هو المعذب في الدارين، الظلم العظيم وأما من آمن وعمل : ما يقتضيه الإيمان، فله جزاء الحسنى ، وقيل: خيره بين القتل والأسر، وسماه إحسانا في مقابلة القتل، فله جزاء الحسنى : فله أن يجازي المثوبة الحسنى، أو فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة، وقرئ : "فله جزاء الحسنى" أي: فله الفعلة الحسنى جزاء، وعن : كان يطبخ من كفر في القدور، وهو العذاب النكر، ومن آمن أعطاه وكساه، قتادة من أمرنا يسرا : أي: لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك، وتقديره: "ذا يسر"، كقوله: قولا ميسورا ، وقرئ : "يسرا" بضمتين.