فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا
في إقسام الله تعالى- باسمه -تقدست أسماؤه- مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : تفخيم لشأن رسول الله ورفع منه ، كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى : فورب السماء والأرض إنه لحق [الذاريات : 23 ] والواو في : "والشياطين " : يجوز أن تكون للعطف ، وبمعنى : "مع" أوقع ، والمعنى : أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم ، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة .
فإن قلت : هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة ، فإن أريد الأناسي على العموم [ ص: 42 ] فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين ؟
قلت : إذا حشر جميع الناس حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين ، فقد حشروا مع الشياطين كما حشروا مع الكفرة .
فإن قلت : هلا عزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء ؟
قلت : لم يفرق بينهم وبينهم في المحشر ، وأحضروا ؛ حيث تجاثوا حول جهنم ، وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها وخلصهم ، فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطة وسرورا إلى سرور ، ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم ، فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغيظهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم .
فإن قلت : ما معنى : إحضارهم جثيا ؟
قلت : أما إذا فسر الإنسان بالخصوص ، فالمعنى : أنهم يقبلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف ، جثاة على ركبهم ، غير مشاة على أقدامهم ؛ وذلك أن أهل الموقف وصفوا بالجثو ، قال الله تعالى : وترى كل أمة جاثية [الجاثية : 28 ] ، على العادة المعهودة في مواقف المقاولات والمناقلات ، من تجاثي أهلها على الركب ؛ لما في ذلك من الاستيفاز والقلق وإطلاق الحبا وخلاف الطمأنينة ، أو لما يدهمهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم ، فيحبون على ركبهم حبوا ، وإن فسر بالعموم ، فالمعنى : أنهم يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنم ، على أن جثيا : حال مقدرة ، كما كانوا في الموقف متجاثين ؛ لأنه من توابع قبل التوصل إلى الثواب والعقاب ، والمراد بالشيعة وهي : "فعلة" كفرقة وفتية الطائفة التي شاعت ، أي : تبعت غاويا من الغواة ، قال الله تعالى : التواقف للحساب إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا [الأنعام : 159 ] ، يريد : نمتاز من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم ، فإذا اجتمعوا ، طرحناهم في النار على الترتيب ، تقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم ، أو أراد بالذين هم أولى به صليا : المنتزعين كما هم ، كأنه قال : ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء ، وهم أولى بالصلى من بين سائر الصالين ، ودركاتهم أسفل ، وعذابهم أشد ، ويجوز أن يريد بأشدهم عتيا : رؤساء الشيع وأئمتهم ؛ لتضاعف جرمهم بكونهم ضلالا ومضلين ، قال الله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [النحل : 88 ] ، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت : 13 ] ، [ ص: 43 ] واختلف في إعراب : أيهم أشد ، فعن أنه مرتفع على الحكاية ، تقديره : لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد ، الخليل على أنه مبني على الضم ، لسقوط صدر الجملة التي هي صلته ، حتى لو جيء به لأعرب ، وقيل : أيهم هو أشد ، ويجوز أن يكون النزع واقعا على : وسيبويه من كل شيعة ؛ كقوله سبحانه : ووهبنا لهم من رحمتنا [مريم : 25 ] ، أي : لننزعن بعض كل شيعة ، فكأن قائلا قال : من هم ؟ فقيل : أيهم أشد عتيا ، وأيهم أشد : بالنصب عن ، وعن طلحة بن مصرف معاذ بن مسلم الهراء أستاذ . الفراء
فإن قلت : بم يتعلق على والباء ؛ فإن تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه ؟
قلت : هما للبيان لا الصلة ، أو يتعلقان بأفعل ، أي : عتوهم أشد على الرحمن ، وصليهم أولى بالنار ؛ كقولهم : هو أشد على خصمه ، وهو أولى بكذا .