قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا
أي : مد له الرحمن ، يعني : أمهله وأملى له في العمر ، فأخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك ، وأنه مفعول لا محالة ، كالمأمور به الممتثل ، لتقطع معاذير الضال ، ويقال له يوم القيامة : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر [فاطر : 37 ] ، أو كقوله تعالى : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما [آل عمران : 178 ] ، أو من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا [مريم : 75 ] ، في معنى : الدعاء ، بأن يمهله الله وينفس في مدة حياته ، في هذه الآية وجهان :
أحدهما : أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها ، والآيتان اعتراض بينهما ، أي قالوا : أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ، حتى إذا رأوا ما يوعدون أي : لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين ، إما العذاب : في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم ، وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال ، فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه ، وأنهم شر مكانا وأضعف جندا ، لا خير مقاما [ ص: 49 ] وأحسن نديا ، وأن المؤمنين على خلاف صفتهم .
والثاني : أن تتصل بما يليها ، والمعنى : أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم ، والخذلان لاصق بهم لعلم الله بهم ، وبأن الألطاف لا تنفع فيهم وليسوا من أهلها ، والمراد بالضلالة : ما دعاهم من جهلهم وغلوهم في كفرهم إلى القول الذي قالوه ، ولا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة ومقدماتها .
فإن قلت : حتى هذه ما هي ؟
قلت : هي التي تحكى بعدها الجمل ؛ ألا ترى الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله : إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا : في مقابلة خير مقاما وأحسن نديا ؛ لأن مقامهم هو مكانهم ومسكنهم ، والندي : المجلس الجامع لوجوه قومهم وأعوانهم وأنصارهم ، والجند : هم الأنصار والأعوان .