[ ص: 124 ] سورة الأنبياء 
مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة [نزلت بعد سورة إبراهيم ] 
بسم الله الرحمن الرحيم 
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون   
هذه اللام : لا تخلو من أن تكون صلة لاقترب ، أو تأكيدا لإضافة الحساب إليهم ؛ كقولك : "أزف للحي رحيلهم" الأصل : أزف رحيل الحي ، ثم أزف للحي الرحيل ، ثم أزف للحي رحيلهم ؛ ونحوه : ما أورده  سيبويه  في "باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا" عليك زيد حريص عليك ، وفيك زيد راغب فيك ، ومنه قولهم : لا أبا لك ؛ لأن اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ، وهذا الوجه أغرب من الأول ، والمراد : اقتراب الساعة ، وإذا اقتربت الساعة فقد اقترب ما يكون فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك ؛ ونحوه : واقترب الوعد الحق   [لأنبياء : 97 ] . 
فإن قلت : كيف وصف بالاقتراب ، وقد عدت دون هذا القول أكثر من خمسمائة عام ؟ 
قلت : هو مقترب عند الله والدليل عليه قوله -عز وجل - : ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون   [الحج : 47 ] ، ولأن كل آت -وإن  [ ص: 125 ] طالت أوقات استقباله وترقبه قريب ؛ إنما البعيد هو الذي وجد وانقرض ، ولأن ما بقي في الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها ؛ بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود مبعثه في آخر الزمان ، وقال عليه السلام :  "بعثت في نسم الساعة " ، وفي خطبة بعض المتقدمين : ولت الدنيا حذاء ، ولم تبق إلا صبابة كصبابة الإناء ، وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه ، كانت خليقة بأن توصف بالقلة وقصر الذرع ، وعن  ابن عباس   -رضي الله عنهما - : أن المراد بالناس : المشركون ، وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم ، وهو ما يتلوه من صفات المشركين ، وصفهم بالغفلة مع الإعراض ، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون ، لا يتفكرون في عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم ، مع اقتضاء عقولهم إنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء ، وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر ، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					