قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم
فإن قلت : هلا قيل : يعلم السر ؛ لقوله : وأسروا النجوى ؟
قلت : القول عام يشمل السر والجهر ، فكان في العلم به العلم بالسر وزيادة ، فكان آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول : يعلم السر ، كما أن قوله : يعلم السر ، آكد من أن يقول : يعلم سرهم ، ثم بين ذلك بأنه السميع العليم لذاته فكيف تخفى عليه خافية .
فإن قلت : فلم ترك هذا الآكد في سورة الفرقان في قوله : قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض [الفرقان : 6 ] ؟
[ ص: 129 ] قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في كل موضع ، ولكن يجيء بالوكيد تارة وبالآكد أخرى ، كما يجيء بالحسن في موضع وبالأحسن في غيره ليفتن الكلام افتنانا ، وتجمع الغاية وما دونها ، على أن أسلوب تلك الآية خلاف أسلوب هذه ، من قبل أنه قدم ها هنا أنهم أسروا النجوى ، فكأنه أراد أن يقول : إن ربي يعلم ما أسروه ، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة ، وثم قصد وصف ذاته بأن أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، فهو كقوله علام الغيوب : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة [سبأ : 3 ] ، وقرئ : " قال ربي " : حكاية لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم .