أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون
هذه أم المنقطعة الكائنة بمعنى : بل والهمزة ، قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار [ ص: 135 ] لما بعدها ، والمنكر : هو اتخاذهم ، آلهة من الأرض هم ينشرون : الموتى ، ولعمري ، أن من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات .
فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم ؟ وكيف وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى وذلك أنهم كانوا مع إقرارهم لله -عز وجل- بأنه خالق السماوات والأرض : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [لقمان : 25 ] ، وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى منكرين البعث ويقولون : من يحيي العظام وهي رميم ، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم ، فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأسا ؟
قلت : الأمر كما ذكرت ، ولكنهم بادعائهم لها الإلهية ، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار ؛ لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات ، وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل ، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده ؛ لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة ؛ ونحو قوله : من الأرض ، قولك : فلان من مكة أو من المدينة ، تريد : مكي أو مدني ، ومعنى نسبتها إلى الأرض : الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض ؛ لأن الآلهة على ضربين : أرضية ، وسماوية ؛ ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : ؛ لأنه فهم منها أن مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام ، لا إثبات السماء مكانا لله -عز وجل- ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض ؛ لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة ، أو تعمل من بعض جواهر الأرض . "أين ربك ؟" فأشارت إلى السماء ، فقال : "إنها مؤمنة "
[ ص: 136 ] فإن قلت : لا بد من نكتة في قوله : " هم " .
قلت : النكتة فيه : إفادة معنى الخصوصية ، كأنه قيل : أم اتخذوا آلهة لا يقدر على الإنشار إلا هم وحدهم ، وقرأ : "ينشرون " ، وهما لغتان : أنشر الله الموتى ، ونشرها ، وصفت آلهة بإلا كما توصف بغير ، لو قيل : آلهة غير الله . الحسن