قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون
هذا من معاريض الكلام ، ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من [ ص: 153 ] علماء المعاني ، والقول فيه أن قصد إبراهيم -صلوات الله عليه- لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ؛ وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم ، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط : أأنت كتبت هذا ؟ وصاحبك أمي لا يحسن الخط ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة ، فقلت له : بل كتبته أنت ، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به ، لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش ؛ لأن إثباته -والأمر دائر بينكما للعاجز منكما- استهزاء به وإثبات للقادر ، ولقائل أن يقول : غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مرتبة ، وكان غيظ كبيرها أكبر وأشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له ، فأسند الفعل إليه ؛ لأنه هو الذي تسبب لاستهانته بها وحطمه لها ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه ، ويجوز أن يكون حكاية لما يقول إلى تجويزه مذهبهم ، كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم ، فإن من حق من يعبد ويدعى إلها أن يقدر على هذا وأشد منه ، ويحكى أنه قال : فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها ، وقرأ محمد بن السميقع : "فعله كبيرهم " ، يعني : فلعله ، أي : فلعل الفاعل كبيرهم .