ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور
تسمية الابتداء بالجزاء ؛ لملابسته له من حيث إنه سبب وذاك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة .
فإن قلت : كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع ؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله -عز وجل- على الإخلال بالعقاب ، والعفو عن الجاني -على طريق [ ص: 208 ] التنزيه لا التحريم- ومندوب إليه ، ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه ، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ، ولم ينظر في قوله تعالى : فمن عفا وأصلح فأجره على الله [الشورى : 40 ] ، وأن تعفوا أقرب للتقوى [البقرة : 237 ] ، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور : فإن الله لعفو غفور ، أي : لا يلومه على ترك ما بعثه عليه ، وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه ، ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي ، ويعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ، ويلوح به بذكر هاتين الصفتين ، أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة ؛ لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .