[ ص: 214 ] "وجاهدوا " : أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رجع من بعض غزواته فقال : "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" في الله أي : في ذات الله ومن أجله ، يقال : هو حق عالم ، وجد عالم ، أي : عالم حقا وجدا ، ومنه : حق جهاده .
فإن قلت : ما وجه هذه الإضافة ، وكان القياس : حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه ، كما قال : وجاهدوا في الله ؟
قلت : الإضافة : تكون بأدنى ملابسة واختصاص ، فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله ، صحت إضافته إليه ، ويجوز أن يتسع في الظرف ؛ كقوله [من الطويل ] :
ويوما شهدناه سليما وعامرا
"اجتباكم " : اختاركم لدينه ولنصرته ، وما جعل عليكم في الدين من حرج : فتح باب التوبة للمجرمين ، وفسح بأنواع الرخص والكفارات والديات والأروش ؛ ونحوه قوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة : 185 ] ، وأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الأمة المرحومة الموسومة بذلك في الكتب المتقدمة .
نصب الملة بمضمون ما تقدمها ، كأنه قيل : وسع دينكم توسعة ملة أبيكم ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، أو على الاختصاص ، أي : أعني بالدين ملة أبيكم ؛ كقولك : الحمد لله الحميد .
فإن قلت : لم يكن " إبراهيم" أبا للأمة كلها .
[ ص: 215 ] قلت : هو أبو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان أبا لأمته ؛ لأن أمة الرسول في حكم أولاده ، "هو " : يرجع إلى الله تعالى ، وقيل : إلى إبراهيم ؛ ويشهد للقول الأول قراءة : "الله سماكم" أبي بن كعب من قبل وفي هذا أي : من قبل القرآن في سائر الكتب وفي القرآن ، أي : فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم ، ليكون الرسول شهيدا عليكم : أنه قد بلغكم وتكونوا شهداء على الناس : بأن الرسل قد بلغتهم ، وإذ خصكم بهذه الكرامة والأثرة ، فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه ؛ فهو خير مولى وناصر .
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها ، وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي " .